المجلس الانتقالي الجنوبي والإصلاحات الاقتصادية… لحظة مفصلية نحو الاعتراف السياسي والتمكين الوطني

كتب/ عبدالجليل الحميدي
في ظل التحولات المتسارعة التي تشهدها البلاد، تبرز الإصلاحات الاقتصادية والإدارية الجارية كفرصة تاريخية أمام المجلس الانتقالي الجنوبي لإعادة صياغة موقعه السياسي، وتعزيز شرعيته الداخلية والخارجية، وتحقيق مكاسب مشروعة تخدم تطلعات شعب الجنوب. لم يعد الحديث عن الجنوب مقتصرًا على الشعارات، بل بات مرتبطًا بالقدرة على تقديم نموذج إداري ناجح، ومشروع سياسي قابل للحياة.
– الإصلاحات كمدخل للتمكين السياسي
الإصلاحات الجارية في البنك المركزي، ومؤسسات الدولة، وسوق الصرف، ليست مجرد إجراءات مالية، بل أدوات استراتيجية يمكن للانتقالي توظيفها لإعادة تعريف الجنوب سياسيًا وإداريًا.
1. ترسيخ الإدارة الرشيدة:
– دعم الانتقالي للإصلاحات يمنحه صورة القوة المسؤولة القادرة على إدارة مؤسسات الدولة بكفاءة.
– ضبط السوق، مكافحة الفساد، وتحسين الخدمات، كلها خطوات تعزز الثقة الشعبية، وتُظهر أن الجنوب قادر على بناء نموذج إداري مستقر.
2. بناء مؤسسات جنوبية مستقلة:
– الإصلاحات تتيح للانتقالي الدفع نحو إنشاء مؤسسات مالية وإدارية جنوبية أكثر استقلالًا، ما يُمهّد لتوسيع الحكم الذاتي.
– تحسين الأداء المؤسسي في عدن والمناطق الجنوبية يُعزز فكرة “الجنوب القادر على إدارة نفسه”، ويُضعف حجج الخصوم الذين يروّجون للفوضى والانفلات.
3. كسب ثقة المجتمع الدولي:
– الدول المانحة والمؤسسات الدولية تبحث عن شركاء موثوقين ومنضبطين ماليًا وإداريًا.
– إذا نجح الانتقالي في تقديم نموذج إصلاحي ناجح، فقد يكسب دعمًا دوليًا أكبر لقضيته، ويُعاد النظر في تمثيله السياسي في المفاوضات النهائية بشأن مستقبل البلد.
– مكاسب سياسية مشروعة تنتظر الجنوب
الإصلاحات ليست فقط لتحسين الوضع المعيشي، بل بوابة لتحقيق مكاسب سياسية استراتيجية تخدم مشروع الجنوب:
1. تعزيز موقع الجنوب في التسوية السياسية القادمة:
– الإصلاحات تُظهر أن الجنوب ليس مجرد طرف عسكري، بل قوة سياسية قادرة على إدارة الدولة.
– هذا يُعزز مطالب الانتقالي في أي مفاوضات مستقبلية بشأن شكل الدولة اليمنية، سواء كانت فيدرالية، كونفدرالية، أو فك الارتباط منظمًا.
2. تقوية الحاضنة الشعبية:
– تحسين الخدمات، صرف الرواتب، ومحاربة الفساد، كلها تُعيد الثقة الشعبية بالانتقالي.
– هذه الثقة تُترجم إلى شرعية سياسية أقوى، تُعزز موقفه داخليًا وخارجيًا، وتُحصّنه من محاولات الإقصاء أو التشويه.
3. إعادة تعريف القضية الجنوبية دوليًا:
– بدلًا من أن تُصوّر القضية الجنوبية كحراك انفصالي، يمكن تقديمها كقضية شعب يسعى لحكم رشيد، وعدالة، وتنمية.
– هذا الخطاب الإصلاحي يُقرب الجنوب من المجتمع الدولي، ويُبعده عن تهم التطرف أو الفوضى، ويمنحه فرصة للتموضع كطرف مسؤول في أي تسوية إقليمية.
– الجنوب بين الإصلاحات والاعتراف
المجلس الانتقالي الجنوبي أمام مفترق طرق تاريخي. الإصلاحات الجارية ليست مجرد أرقام في ميزانية، بل لحظة سياسية فارقة يمكن أن تُحوّل القضية الجنوبية من مطلب شعبي إلى مشروع سياسي معترف به دوليًا. فالإدارة الرشيدة، والشفافية، والنجاح المؤسسي، كلها أدوات تُعزز شرعية الجنوب، وتُمهّد الطريق نحو تمثيل سياسي أقوى، وربما نحو تحقيق تطلعاته في تقرير المصير.
الجنوب لا يحتاج إلى شعارات جديدة… بل إلى نموذج ناجح يُقنع الداخل ويكسب احترام الخارج.