قصة قصيرة بعنوان (خلف الكواليس) للقاصة الجنوبية سحر عبداللاه

القاصة/ سحر عبداللاه صالح
دخل إلى قاعة المحكمة وظهره مستقيم مع احتفاظه بهيبته المعتادة، رغم أن من حوله نصحوه بالإعراض عن ذلك، إلا أنه أصر على موقفه والإدلاء بشهادته.
عمل الطبيب عُمر في مستشفيات خاصة مختلفة، وكان شخصا حقيقيا، ففي إحدى المرات أتى إلى المستشفى رجل مذعور وهو يحمل ابنه بعد أن نالت منه الحُمّى وقد أغمي عليه، لم يكن يحسب حسابا لتكاليف العلاج غير أن ملابسه المهترئة وحذاءه البالي دلّت للموظفين على عجزه عن الدفع، فطلبوا منه الذهاب إلى مستشفى حكومية، ولكنّه أخبرهم أنّها بعيدة من هنا، وظل يتوسلهم حتى ينقذوا ابنه الذي كان يتنفس بصعوبة.
حينئذ كان الأطباء يسترقون النظر إليه وهم يمرون من أمامه، إلى أنّ هم بالانصراف، فأوقفه الطبيب عُمر الذي خرج لتوه من عملية صعبة، سمع بعضا من زملائه يثرثرون عن الرجل البائس وكيف أنّه تجراً للقدوم إلى هنا بحالته المزرية.
وقتئذ أسرع متجها نحوه ليمنعه من الخروج لأجل مساعدته أمام مرأى الموظفين، فوصل الخبر إلى المدير الذي علم بكل ما حدث عندها أخذها حجة لطرده على اعتراضاته المتكررة لسياستهم غير الإنسانية.
لم يستسلم والتحق بمستشفى أخرى، إلا أنّه كعادته لا يخرس عند قول الحق فقد رفعت إحداهن قضيّة في المحكمة لوفاة شقيقها بسبب إعطائه أدوية مختلفة عن مرضه.
عندئذ صرح الطبيب أمام الحاضرين قائلا: أيها القاضي
إن هذا الشاب ليس مؤهلا لتكون بين يديه أرواح، وكنت قد أخبرت والده الذي يكون مدير المستشفى، ووضحت بأن تشخيص الحالة خاطئ.
وقتئذ اعترض محاموهم، ولكن القاضي رفض الاعتراض حتى ينهي حديثه، فأتم أن سبب تماديهم يا سيدي انعدام رقابة، مشددة، ولطالما رفعت تقارير إلى الجهات المختصة ولكن بدون جدوى، فأصبحت مهنة إنقاذ الأرواح تجارة لزهقها.
مرت خمسة أشهر والطبيب رامي يتذكر هذه الحادثة من خلف القضبان بجسده المتهالك عندما دُبرت مكيدة
ضده بوضع الممنوعات داخل سيارته انتقاما منه.