كتابة ولدت من صمت، أيقظه نص عابر مر بي وترك أثرا… فكان هذا الرد.

كتب/ بنت المفلحي صحفية وكاتبة
(نقية بما يكفي لتفهم)
منذ أعوام وأنا أعيش داخلي،
أصغي إلى صمتي أكثر مما أتكلم،
أراقب مزاجي وهو يتمطط بين نقيضين:
حماس لا يطاق، وفتور لا يفسر.
أرافقني في كل تفاصيل الانهيار،
في الصحوة التي تسبق كل سقوط،
وفي الضحكة التي تخفي أكثر مما تفصح.
وسألت نفسي يوما، ماذا أعددت لي يا نفس؟
فتهمس بخبث أنثوي معتق:
“عدة انتكاسات معتادة، وكمية شعور لا يليق بموسمها، وأحلام تنتظر رجلاً لا يأتي”.
أعرف تماما أن الحياة لا تدار بالحكمة وحدها،
بل أحيانا بكوب شاي عدني، ومزاج يشبه تقلبات البلاد.
لكني، ورغم كل شيء،
ما زلت أؤمن أن الجمال يبدأ من الداخل،
وأنني لست بحاجة إلى دخان لأثبت حضوري،
ولا إلى مجلس مكتظ لأؤكد أنني “مقبولة اجتماعيا”.
صرت أعتذر عن الحوارات المكررة،
عن جلسات لا تشبهني،
عن علاقات تقوم على الفراغ المشترك،
لا على الامتلاء الروحي.
تعلمت أن الصمت لا يربك من يعرف نفسه،
وأن العزلة ليست دائما هزيمة،
بل أحيانا انتصار صغير على ضجيج لا يطاق.
أنا تلك المرأة التي تنهض دون منبه،
تؤمن أن احترام الوقت ليس عقدة،
وأن حضورها في الموعد لا يقلل من أنوثتها،
بل يعلن عن سيدة تعرف قدر ذاتها.
أحلامي ليست كثيرة، لكنها ثقيلة،
لا تباع على رفوف المقاهي،
ولا تنجز في ساعات الثرثرة.
أطمح أن أكون كما أرى نفسي،
لا كما يريدني الآخرون،
أحب بعمق، لكن لا ألاحق،
أسامح، لكن لا أنسى،
أُضيء، لكن لا أُحترق.
وإذا سألتني اليوم، ماذا أعددت لنفسك؟
أقول لك بثقة لا تتلعثم:
أعددت قلبا لا يساوم على كرامته،
وروحا أنقى من كل دخان،
وصداقة مع ذاتي لا يفرقها مزاج جماعي.
أنا لست ضد الجلسات، لكنني ضد التخلي عن ذاتي لأُرضي طقسا لا يشبهني.
لا أرى في النقاء خيانة، بل نبلا،
ولا أرى في رفض السائد عنادًا، بل وعيا.
قد أبدو ثقيلة الظل في عيون بعضهم،
لكنني خفيفة على نفسي،
وذاك يكفيني.
أما عن الغد،
فسأظل أعد نفسي بصفحة جديدة،
لا لأنني أنتظر أحدا ليقرأها،
بل لأنني أعلم أن هناك من بدأ يقرأني فعلا.
وإن مر على هذه السطور،
سيعرف جيدا… أنها كتبت له.
ولن أقول أكثر.