لجان التفتيش أم أدوات الابتزاز؟ تساؤلات جنوبية مشروعة في وجه العبث المالي لأحزاب الشمال

كتب/د/ عبدالرزاق عبدالله احمد البكري. باحث سياسي وأكاديمي.
إن ما نشهده اليوم من نزول مريب ومشبوه للجان ما يُسمى “بمجلس النواب اليمني” المنتهي صلاحيته إلى مؤسسات الجنوب، لتفتيشها ومراجعة دفاترها وأوراقها، إنما يُعد استمرارا لسلوك استعلائي واستفزازي ممنهج، لا يهدف إلى تحقيق إصلاح مالي أو ضبط إداري، بل إلى تشويه وحرف مسار من تبقى من مؤسسات الجنوب التي ما تزال، رغم كل العواصف السياسية والاقتصادية، تؤدي ما عليها من التزامات تجاه البنك المركزي في عدن.
يا هؤلاء، أما آن لكم أن تنظروا شمالاً؟
أين كانت لجانكم “الرقابية” حين جفّت خزينة الدولة في عدن، في الوقت الذي تغرق فيه خزائن مأرب بريالات نفط وغاز الوطن؟ أين هي تقاريركم عن مؤسسات الدولة التي تقع تحت سطوة أحزاب صنعاء في مأرب، الجوف، تعز، والحديدة، والتي ترفض -بصلف ووقاحة- توريد أي ريال إلى البنك المركزي بعدن؟ بل إن السفارات والقنصليات اليمنية في الخارج نفسها أصبحت تمارس دوراً شبيهاً بالدكاكين الخاصة، تجمع الأموال باسم الدولة وتُبقيها في جيوب خاصة، دون أن تحسب حساباً لشعب يتضور جوعاً في الداخل.
وقائع لا يمكن تغطيتها بغبار الدعاية:
محافظ البنك المركزي في عدن، صرحها بوضوح لا لبس فيه:
> “147 مؤسسة من أصل 167 تتبع حكومة الشرعية لا تقوم بتوريد إيراداتها إلى البنك المركزي بعدن.”
والسؤال الصادم: لماذا لم نشهد لجنة واحدة من تلك اللجان “النيابية” تنزل إلى مأرب؟ لماذا لم تُفتح ملفات الجبايات غير الشرعية التي تبتلعها أحزاب الشمال؟ لماذا لم تُحاسب القيادات الحزبية والعسكرية التي حولت مأرب إلى دولة داخل الدولة، تسحب النفط وتبيعه وتكنز ريالاته ولا تورّد شيئاً؟ بل الأخطر من ذلك، أنها تضارب بهذه الريالات في عدن، وتحولها إلى عملة صعبة بأي وسيلة وسعر كان، لتساهم في رفع سعر الصرف كالبرق في جوف الليل لتُثقل كاهل المواطن الجنوبي بارتفاع الأسعار وتدهور العملة.
ألم يحن الوقت لكشف هذا العبث المدمر؟
لأكثر من عشر سنوات، وأصوات أبناء الجنوب ترتفع مناديةً بالعدالة المالية والمحاسبة الشاملة، ولكنهم لم يجدوا سوى الآذان الصماء والمزيد من الاستهداف. والمؤسف أن يتم معاقبة المحافظات التي تلتزم بالتوريد وتُحرم من أبسط حقوقها، بينما يُكافأ الخارجون عن القانون السياسي والمالي بالصمت المريب، إن لم يكن بالتغطية والدعم.
هل ما زلتم تتساءلون: لماذا يطالب الجنوبيون بفك الارتباط؟
كيف يمكن لشعب أن يثق بدولة لا تجرؤ على محاسبة مراكز الفساد، وتكتفي بابتزاز المؤسسات التي تحاول النجاة من الطوفان؟! كيف يُطلب من شعبنا الصبر، في حين أن راتب الجندي في تعز ومأرب يُصرف من بنك عدن، بينما بنوكهم في الشمال تتخم بالمليارات ولا تُسهم بريال واحد في الموازنة العامة؟
إن هذا العبث المالي، وهذه الازدواجية في إدارة الدولة، ليست مجرد أخطاء إدارية، بل هي جريمة اقتصادية وسياسية مكتملة الأركان، تدفع الجنوب دفعاً نحو القطيعة الكاملة.
ولذلك، نقولها بأعلى صوتنا:
إما عدالة شاملة في الإيرادات والمحاسبة والشفافية، أو لا جدوى من أي وحدة مالية أو سياسية.
الشعب لم يعد يحتمل، والأوضاع تنذر بانفجار كبير، ولن ينفعكم يومها الصراخ أو التباكي على ما فرّطتم فيه بأيديكم.
فهل من يسمع؟ وهل من يتحرك؟
أم أن الصمت قد أصبح لغة التقاسم الوحيدة بين سلطات متورطة ومؤسسات تُنهب جهاراً نهاراً؟