اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

لطفي الداحمة يكتب: (نهج الخصخصة). الجنوب المنهوب.. من دولة المواطنين إلى سوق جائع

 

 

كتب/ لطفي الداحمة

 

منذ اجتياح الجنوب في صيف 1994م، دخلت البلاد نفقاً مظلماً من السياسات الممنهجة التي استهدفت تفكيك ما تبقى من مؤسسات الدولة الجنوبية وتحويلها إلى سوق مفتوح للنهب والمضاربة، الخصخصة التي فرضت بعد الحرب لم تطرح كخيار اقتصادي بريء كما روج لها، فقد استخدمت كأداة سياسية لإخضاع الشعب وتجريده من وسائل الحماية المجتمعية.

 

بدأت العملية بتفكيك القطاع العام وبيع مؤسساته الناجحة للنافذين، تلاها إقصاء الكفاءات الجنوبية، وتخريب منظومة الخدمات الأساسية من تعليم وصحة وكهرباء ومياه، الهدف لم يكن إصلاح الاقتصاد، وإنما تفكيكه تمهيداً لتسليمه لتجار الخدمات، في صورة صارخة للرأسمالية الطفيلية.

 

وبعد 2015م، حين استبشر الجنوبيون بدولة حديثة بعد فك الارتباط مع نظام صنعاء، فوجئوا باستمرار السياسات نفسها بأدوات ووجوه مختلفة، تصاعدت الأزمات، وتفاقم الفشل، وأصبحت الخدمات وسيلة ضغط وإذلال، توقفت الكهرباء والمياه، انهارت المستشفيات، وتآكلت المدارس، ثم ظهرت البدائل كمشاريع مدفوعة تقدم على أنها “إنقاذ” لا كحق.

 

وجد المواطن نفسه محاطاً بواقع قاسي، مدارس خاصة برسوم خيالية، مستشفيات تجارية تستنزف جيبه، منظومات طاقة شمسية بأسعار باهظة يتحكم بها كبار التجار، وخزانات مياه ومضخات تباع كحلول مؤقتة، بينما هي نتيجة لحرمان ممنهج.

 

ما يحدث هو متاجرة واضحة بأوجاع الناس، تفتعل الأزمة، ويسوق الحل كسلعة، ويجبر المواطن على دخول وهم “التحضر والبديل العصري”، وهكذا ينتزع من موقعه كمواطن صاحب حق ليعاد تشكيله كمستهلك مرغم في وطن منهك، لا يمنحه أدنى حقوقه إلا مقابل ثمن مرهق.

 

ما جرى لا يمت للتنمية بصلة، فهو تدمير منظم جرى وفق نهج العقوبة الجماعية، خارج أي إطار قانوني، ومن دون حماية اجتماعية، سياسة أفرغت الوطن من مؤسساته، وتركته فريسة للفساد وشبكات النفوذ والمصالح.

 

لقد آن الأوان لكسر هذا النهج، الجنوب لا يحتاج إلى المزيد من الخدمات التجارية المعروضة للبيع، هو بحاجة إلى دولة تنصف مواطنيها، تستعيد كرامتهم، وتعيد بناء مؤسساتهم، وتضع حداً لهذا العبث القائم على قاعدة “اعذبه بالخدمة، ثم تاجر بإنقاذه”، فهكذا تخرب الأوطان لا تبنى.

13 يوليو 2025م

زر الذهاب إلى الأعلى