الإعلام الجنوبي بين خنادق المواجهة وطعنات الداخل

قراءة تحليلية في خريطة الحرب الناعمة على المشروع الجنوبي
النقابي الجنوبي/خاص
في زمن الحروب الحديثة، لم تعد المعارك تُخاض فقط بالبنادق والصواريخ، بل أصبحت ميدانها الأبرز هو الإعلام والحرب الناعمة. يتجلى ذلك بوضوح في الساحة الجنوبية، حيث تدور معركة شرسة بين مشروع استقلالي يقوده المجلس الانتقالي الجنوبي من جهة، وبين أجهزة إعلامية واستخباراتية معادية تستهدف الوحدة الوطنية الجنوبية، وعلى رأسها شخصيات قيادية مثل الرئيس “عيدروس الزُبيدي”. ولكن الأخطر من ذلك كله هو أن بعض الطعنات تأتي من الداخل، عبر أقلام جنوبية سامة تخدم الأجندات المعادية تحت ذريعة النقد والتصحيح.
الحرب الناعمة: آلة مدمرة تستهدف الجنوب
بحسب الكاتب “ناصر التميمي”، فإن “المجلس الانتقالي الجنوبي أصبح خنجرا في حلوقهم”، في إشارة إلى القوى الإقليمية والمحلية التي تحاول فرض هيمنتها على الجنوب. بعد فشلها في تحقيق أهدافها باستخدام القوة العسكرية، لجأت هذه القوى إلى الحرب الإعلامية القذرة، التي تمولها جهات خارجية وتسعى لضرب الحاضنة الشعبية للمجلس الانتقالي والنسيج الجنوبي.
وفي هذا السياق، يشير رئيس تحرير صحيفة وموقع النقابي الجنوبي، “صالح الضالعي” إلى وجود شبكات استخباراتية وإعلامية متطورة تعمل في الجنوب، مدعومة بأموال ضخمة ومخططات شيطانية. هذه الشبكات ليست مجرد أدوات للدعاية، بل تعمل على اختراق المؤسسات الحكومية والمجتمعية، بهدف زعزعة الثقة بين الشعب وقيادته. “الضالعي” يصف هذه الحملات بأنها “مؤامرات قذرة وخسيسة”، وأدواتها تعمل على شراء الذمم بمقاسات جنوبية ويمنية، وبأسعار رخيصة.
لكن ما يزيد الأمر تعقيدا هو أن بعض هذه الخلايا تتستر تحت غطاء “النقد البنّاء”. يؤكد “التميمي” أن هناك أقلاما جنوبية تكتب بقصد ضد المجلس الانتقالي وقيادته، بينما هي في الواقع تسهم في هدم الجهود الوطنية. إنها ليست مجرد نقد، بل سموم فكرية تزرع الانقسام المجتمعي وتدفع نحو الفوضى.
الأعداء في الداخل: خطورة أكبر
إذا كان العدو الخارجي واضحا ومعروفا، فإن العدو الداخلي يشكل تهديدا أكثر خطورة لأنه يعمل تحت ستار الوطنية. هنا يبرز رأي الناشط “نائف الكلدي” الذي يحذر من “خلايا تفوق خلايا المخ”، والتي تعمل على تنفيذ مخططات مدمرة ضد الجنوب. هذه الخلايا لا تقتصر على الجانب الإعلامي فحسب، بل تمتد إلى تخريب البنية التحتية، مثل الكهرباء والمياه، ونشر الفتن الاجتماعية، وزعزعة الثقة بين الشعب وقيادته.
الكلدي يشدد على أهمية أن يدرك الشعب الجنوبي حجم المؤامرة التي تحاك ضده. إنه ليس مجرد صراع سياسي، بل حرب شاملة تستهدف كل مقومات الحياة في الجنوب. والأكثر إيلاما هو أن بعض الجنوبيين يساهمون في هذه المؤامرة، سواء بدافع الجهل أو المال أو التبعية.
الإعلام المعادي: هل ينجح أم يفشل؟
رغم شراسة الحملات الإعلامية ضد الجنوب، إلا أن “التميمي” يرى أن “شعب الجنوب أصبح واعيا تماما لحقيقتهم ولأهدافهم الخبيثة”. فالإعلام المعادي قد يمتلك قنوات ومواقع ومطبلين، لكنه لن يستطيع تغيير قناعة الشعب الجنوبي الذي يسعى بكل إصرار لاستعادة دولته.
ويتفق معه “الضالعي” الذي يتساءل: “لماذا صمتت الأبواق المنادية بالخدمات بمجرد وصول رشاد العليمي وسالم بن بريك أصحاب القرار السيادي إلى العاصمة عدن؟” هذا السؤال يكشف عن طبيعة الحملات الإعلامية التي تستخدم الخدمات والاقتصاد كأداة للضغط السياسي، وليس كوسيلة لتحقيق مطالب الشعب.
أما بالنسبة للكاتب “سالم فرتوت”، فهو يرى أن الهجمات ليست جديدة، بل هي جزء من محاولات مستمرة لإضعاف موقف القيادة.
التحدي الأكبر: توحيد الصفوف
الخطر الحقيقي الذي يواجه المشروع الجنوبي اليوم هو الانقسام الداخلي. في الوقت الذي يجب فيه أن تكون الأقلام الجنوبية موحدة في وجه الإعلام المعادي، نجد بعضها يروّج للأكاذيب ويضعف الجبهة الداخلية. يدعو “التميمي” إلى ضرورة أن “تُوحّد الأقلام الجنوبية جهودها لمواجهة الإعلام المعادي”، لأن الانقسام سيؤدي إلى كارثة وطنية.
“الكلدي” يشدد على أهمية ترك الخلافات جانبا والعمل المشترك من أجل الجنوب. “نحن أبناء اليوم”، يقول “الكلدي”، “ونضمد جراحنا ونصحح الأخطاء ونعمل معا متجاوزين الحدود الجغرافية، نابذين المناطقية والفرقة”.
ختاما
اليوم، لا يُختبر الإعلام الجنوبي فقط في قدرته على التصدي للهجمات الخارجية، بل في مسؤوليته تجاه قضيته الوطنية. ففي زمن الحرب الناعمة، لا تنتصر القضايا العادلة إلا بأذرع إعلامية موحّدة تعرف أين تقف، ومتى ترد، وكيف تحمي مشروعها من محاولات التشويه والتفكيك.
ليس المطلوب إعلاما دعائيا، بل إعلاما شجاعا، حرًا، يميّز بين النقد الذي يبني، وبين السم الذي يُبث في جسد الوطن باسم “الرأي الآخر”. فالطعنات التي تُقدَّم بقلم جنوبي وتُوجَّه إلى ظهر القضية لا تقل خطرا عن منصات العدو.
والخيار الآن بين أن نكون في خندق الصمود، أو على هامش السقوط.