اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.
مقالات الراي الجنوبي

الشعب الذي يعشق مطر الحفرة

علي محمد سيقلي

عشر سنوات وهم بيننا، كأهل البيت، أو بالأحرى كأهل “بيت الضيافة”، ذاك الذي تستضيف فيه أحدهم على مائدة الكرامة، فيدخل المطبخ ويخرج بخطة لطردك من الصالة.

أعطيناهم الأرض. نعم، الجنوب الطيب الذي يفتح قلبه قبل جغرافيته، قلنا لهم: تفضلوا، حرروا بلادكم، وسنكون لكم سنداً، وخلفكم الإمارات بكل ثقلها، وأمامكم الحوثي بكل جحيمه، فأرونا المرجلة، فقط تقدموا.
لكنهم جلسوا وخزنوا “افتهنوا”، عشر سنوات كاملة وهم يتقلبون في الدعم الإماراتي كما يتقلب أحدهم في نعمة غير مستحقة، ولم يحرروا شبراً، اللهم إلا بيانات النفي والاستنكار، وبعض فيديوهات “التمارين الصباحية” على وقع أهازيج وطنية وشيلات حماسية،
ثم فجأة، وبدون سابق إحباط، عادوا إلى البوثي، ليس حباً فيه، بل لأنهم تذكّروا فجأة أن الولاء للسيد كالسروال الداخلي، يُلبس ويُخلع حسب حرارة الطقس السياسي. ولكي يكسبوا عطف “السيد”، أخرجوا لنا مشهداً درامياً محبوكاً:
“كنا مظلومين، محتقرين، الجنوبيون كانوا يستقبلوننا في حُفر مغطاة بشِبَاك حديدية، ويتبولون علينا من فوق، ويطلقون علينا نيران بنادقهم لإذلالنا، ويعاملوننا ككلاب ضالة!”

ما هذا الإبداع؟ ما هذا الحنين المفاجئ إلى ذل الحفرة؟

بل وتنازلوا عن علمهم اليمني، فقط لأن الجنوبي “الشرير طبعاً في روايتهم” اشترط ألّا يُرفع في معسكرات الجنوب. مع أن قدومهم أصلاً كان على صهوة لقب “حراس الجمهورية”! أي جمهورية؟ جمهورية منزوعة الشرف والذاكرة أم جمهورية الشكوى عند باب عبدالملك؟

والآن، بعد أن جفّ حبر الولاء الأول، باتوا يكتبون بلعاب التوسّل للحوثي، يصورون أنفسهم كضحايا في فلمٍ رديء السيناريو والإخراج، وكل ذلك لكي يعودوا إلى “حضن سيدهم، أو ما تبقّى لهم من وطن، بعد أن عضّوه آلاف المرات.

يا سادة، نحن أمام شعب إن لم يخدع فلن يرتاح، وإن لم ينكُر المعروف فلن ينام، شعب إن لم يختلق مظلومية فإنه يصاب بالإمساك الوطني الحاد.

هذا شعبٌ يحترف الحفر، حفرة الولاء، حفرة النكران، حفرة الخديعة، حفرة الحفرة نفسها، وهو يستمتع بالتبول عليه.

ولولا أننا نحترم الجغرافيا وكرم الضيافة، لقلنا لهم، ابحثوا عن حفرة غير حفرتنا، لتأنسوا بمطر مختلف، فقد شبعت أرض الجنوب منكم ومن قصص “كنا مظلومين”.
رحم الله أبا اليمامة

زر الذهاب إلى الأعلى