اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.
تحقيقات

وسط تغيير خرائط النفوذ القديمة.. سوريا حلقة في مسلسل شرق أوسط جديد

النقابي الجنوبي/خاص

تمر الأيام والأشهر والسنين وتسير الأحداث اليوم وفق المخطط المدبر لها دوليا في رسم المشهد المقر بصورته الحديثة من خلال تغيير خرائط السيطرة ومناطق النفوذ في تقسيم الأراضي العربية وغربلة التركيبة السكانية نحو شرق أوسط جديد يلبي طموحات وأهداف الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني وفق ما أعلنت عنه وزير الخارجية الأسبق كونداليزا رايس.

عقب انهيار البيت العربي وتفككه وتساقط الدول العربية الواحدة تلو الأخرى من العراق إلى ليبيا وتونس ثم اليمن فالسودان وإخماد صوت المقاومة في فلسطين وتسوية غزة بالأرض ثم إعادة سكانها إلى أرض محروقة إلى مخطط ترامب بتهجيرهم إضافة إلى دك جنوب لبنان وتمدد إسرائيل وتوغلها في الأراضي العربية واقتطاعها مساحات واسعة من الأراضي السورية يرافقه تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الشرق الأوسط سيواجه “الجحيم كله” إذا لم يتم إطلاق جميع الرهائن المحتجزين لدى الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة قبل يوم تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة ولبي طلبه في تحرير الأسرى قبل اعتلاءه كرسي العرش في 20 يناير الماضي نتيجة لما تمر به الدول العربية من ضعف ووهن.

سوريا لم تغب عن المشهد أصبحت المشهد ذاته صارت حلقة في مسلسله ومسرحا في سلسلة أدواره حيث غيّرت الفصائل المسلحة فيما سميت بالمعارضة شمال غربي سوريا قواعد اللعبة لأول مرة منذ أكثر من 4 سنوات وحركت حدود التماس وتهاوت أمامها بسرعة مذهلة مدن سورية حتى سقط النظام السوري وفر رئيسها بشار الأسد بصمت باهت في دهاليز الظلام بعد نحو 25 عاما من حكمه منذ توليه الرئاسة في 17 يوليو 2000، دون أدنى دور فاعل لحليفيه الروسي والإيراني معلنا انتهاء حقبة 61 عاما من حكم نظام حزب البعث و 53 عاما من حكم عائلة الأسد.

تساؤلات تدور في خلد المراقب للمشهد

طبيعة الدور الذي قامت به دول الجوار والدول الداعمة في إسقاط النظام السوري ومدى دقة اختيار التوقيت بعناية؟

أين حدود الدور الإسرائيلي التركي القطري في دعم فصائل المعارضة والجماعات المسلحة؟ وطبيعة الأهداف الاسترايجية التي تحققها؟

من هي الدولة العربية التالية في المخطط التي ستلحق بركب المشهد بعد سوريا في مسرح شرق أوسط جديد؟ ووما مبرر إزاحتها؟ وكم الفارق الزمني لاستيعابه؟

نعيش وضعا تتغير فيه مؤشرات الزمن وتتبدل خلاله مجريات الأحداث وفق قواعد اللعبة الدولية فهيئة تحرير الشام التي تحكم سوريا اليوم كانت تدعى قبل خمس سنوات جبهة النصرة المعروفة بتنظيم القاعدة كانت فصيلا محاصرا في إدلب أصبحت اليوم فصيلا شرعيا يمتلك أكاديمية عسكرية وقيادة مركزية ووحدات متخصصة سريعة الانتشار تشمل المشأة والمدفعية والعمليات الخاصة والدبابات والطائرات دون طيار والقناصة إضافة إلى القدرة على تصنيع الأسلحة فمن هي الجهات التي وفرت ذاك المناخ المعزز لوجودها؟

شاب الغموض الحديث عن الرجل الملتحي الذي ارتبط اسمه بسقوط دمشق فجر الأحد 8 ديسمبر 2024

تباينت التقارير حول هوية الشرع الحقيقية، وتاريخ ومكان ميلاده وسيرته وحتى جنسيته وهو ما يضفي الكثير من الحيرة حول شخصيته، وبحسب تقارير الأمم المتحدة، فإنه ولد بين عامي 1975 و1979، فيما تفيد تقارير الإنتربول أنه ولد عام 1975.

وحسم الشرع ذلك التباين في مقابلة مع شبكة بي بي إس الأمريكية إذ أعلن لأول مرة أن اسمه الحقيقي أحمد حسين الشرع، وأما لقبه الذي يشير إلى مرتفعات الجولان فإنه يعكس روابط عائلته بتلك المنطقة.

وقال في تلك المقابلة إنه ولد في عام 1982 في العاصمة السعودية الرياض حيث عمل والده مهندسا للنفط حتى عام 1989، وفي ذلك العام عادت عائلة الشرع إلى سوريا، حيث نشأ وعاش في حي المزة بدمشق.

وكانت تقارير صحفية قد أشارت إلى أن الشرع ولد في دير الزور بسوريا عام 1981، ويقال إنه درس الطب في دمشق لمدة عامين، قبل أن يترك سنته الدراسية الثالثة للانضمام إلى تنظيم القاعدة المتشدد في العراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003.

ويعتقد أنه ارتقى بسرعة في صفوف المنظمة الجهادية، حتى أصبح من المقربين لأبو مصعب الزرقاوي، ثم انتقل إلى لبنان في عام 2006 بعد مقتل الزرقاوي حيث قيل إنه أشرف على تدريب الجماعة المسلحة اللبنانية جند الشام، ويعتقد أنه سافر بعد ذلك إلى العراق مرة أخرى، حيث سجن من قبل القوات الأمريكية لفترة من الوقت، وانضم إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق بعد إطلاق سراحه عام 2008.

ووفقا لمراقبين فقد عاد الشرع إلى موطنه سوريا في أغسطس/آب من عام 2011 حيث قام بإنشاء فرع لتنظيم القاعدة للانضمام إلى القتال ضد الرئيس السوري بشار الأسد.

وبعد الإطاحة بحكم الأسد في سوريا، سعى الشرع إلى إعادة تقديم نفسه كزعيم مدني، محاولا الابتعاد عن الصورة المرتبطة بجماعات مصنفة كجماعات إرهابية.

منذ سيطرة قوى المعارضة على العاصمة دمشق في 8 ديسمبر 2024، ومغادرة الأسد البلاد حضيت بالاعتراف العربي والدولي وبدأت تسارع الخطى في إعادة ترتيب البيت وضبط الانفلات الأمني وحل الجيش والأجهزة الأمنية السابقة وتوفير احتياجات المواطنين وضبط أسعار السلع والمنتجات الضرورية والخدمات الأساسية والحفاظ على قيمة العملة المحلية واستقرارها والبحث في زيادة مرتبات موظفي الدولة واعتقال من يسعى لزعزعة الأمن والاستقرار ومرتكبي الجرائم من شبيحة النظام السابق في غضون شهرين من حكمها البلاد على عكس اليمن التي أكملت عقدا من الزمن في ظل تدهور في كل شيء.

في يناير 2025 تم تنصيب أحمد الشرع رئيسا انتقاليا للجمهورية العربية السورية بشكل رسمي وتلقى التهاني من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان وأمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني وملك الأردن عبد الله الثاني ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي القائد الأعلى للقوات المسلحة الجنوبية، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي القائد عيدروس الزُبيدي وعدد من من زعماء الدول العربية والاسلامية بهذه المناسبة.

ألقى قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع “خطاب النصر” بعد اجتماعه مع قادة الفصائل العسكرية بدمشق وسط حضور موسع من الفصائل وقوى الثورة السورية.

وقال الشرع في خطابه: “قبل بضعة أشهر تهيأت لي دمشق كالأم المتفانية ترمق أبناءها بعين المستغيث المعاتب وهي تشكو الجراح والذل والهوان تنزف دما وتكابر على الألم وتكاد تهوي وهي تقول أدركوا أمتكم!!”.

وأضاف: “كسرنا القيد بفضل الله وحرر المعذبون ونفضنا عن كاهل الشام غبار الذل والهوان وأشرقت شمس سوريا من جديد، هلل الناس وكبروا فكان الفتح المبين والنصر العظيم”.

وتابع الشرع قائلا: “الصفة المتعارف عليها في الحرب والمعركة العسكرية هي الخراب والدمار وسفك الدماء، غير أن نصر سوريا تحقق وملؤه الرحمة والعدل والإحسان عند القدرة”، مؤكدا أن النصر تكليف ومهمة المنتصرين ثقيلة ومسؤوليتهم عظيمة. 

وأشار إلى أن “ما تحتاجه سوريا اليوم أكثر مما مضى فكما عزمنا في السابق على تحريرها فإن الواجب هو العزم على بناءها وتطويرها”.

وحدد الشرع أولويات سوريا اليوم بملء فراغ السلطة، والحفاظ على السلم الأهلي، وبناء مؤسسات الدولة، والعمل على بناء بنية اقتصادية تنموية، واستعادة سوريا لمكانتها الدولية والإقليمية.- حد قوله -.

وأعلنت دمشق أنها بحثت خلال زيارة أمير دولة قطر إطارا شاملا لإعادة الإعمار في سوريا. وقال وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني أن “إعادة بناء سوريا تتعلق باستعادة الأمل وبناء المستقبل”

زيارة أمير قطر إلى دمشق يراها مراقبون أنها كانت إشباعا لرغباته واستعراضا لقوته وإمكانياته في تحقيق هدفه ومنجزه في سوريا بإسقاط بشار الأسد وإحلال نظام حكم بديل يتواكب مع توجهات قطر وأغداقها في الوعود بمشاريع كبرى في مجال إعادة الإعمار لترسيخ نفوذها في سوريا.

كما ينظر إليها المراقبون أنها أخذت طالع النرجسية كأول زعيم عربي يزور دمشق منذ الثامن من ديسمبر تاريخ مغادرة الأسد تخفي خلفها أطماعا في ترسيخ استثمارات قطرية منها خط الغاز القطري إلى أوروبا مع الاستفادة من التخطيط المشترك مع تركيا في السيطرة على الوضع الجديد وتحويله إلى صالحهما.

وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان قد صرح بأن تركيا لعبت دورا رئيسيا في إقناع روسيا وإيران، بعدم التدخل عسكريا خلال هجمات المعارضة السورية التي أطاحت بحكم بشار الأسد، وأكد فيدان أن تركيا نجحت في تقليل الخسائر البشرية قدر الإمكان، بفضل تفاهمات مع الأطراف الدولية مشددا على أن أنقرة، تملك الخبرة الأكبر في التعاطي مع هيئة تحرير الشام والقضية السورية بشكل عام.

ويعتبر العديد من المراقبين أن تركيا هي الفائز الأكبر إقليميا، من التطورات الأخيرة التي شهدتها سوريا، ويرون أنها ستواصل التربع على عرش التطورات السورية، رغم التحديات التي تواجهها داخليا وخارجيا.

إلى ذلك يكشف الكاتب عماد الدين أديب أهمية الصراع على سوريا في ضوء حيثيات المشهد: “الصراع على سوريا صراع استراتيجي جوهري؛ لأنه يتصل بأمن إسرائيل ولبنان وشرق الأردن ويتصل أيضا بالمياه الدافئة في شرق البحر المتوسط ويتصل بأمن جبال طوروس في تركيا ومضايق سيناء في مصر”.

مؤامرة حاكها الاحتلال الإسرائيلي بغطاء تركي ساند خلالها الفصائل المسلحة – ما سميت بالمعارضة – حتى حققت أهدافها بإسقاط سوريا في سرعة سابقت فيها الزمن.

ما تتعرض له سوريا اليوم جزء من مسلسل عرضت معظم حلقاته على أرض الواقع برزت في مخطط التبعية السياسية والاقتصادية وانهيار أمنها القومي ما يؤكد أن سياسة القادة العرب التي تنهب ثروات بلدانها على مدى السنين وتمارس سياسة قمع شعوبها مستغلة أنها تستظل بحماية الدول الكبرى إنما تعيش وهم الخيال يعود عليها بالوبال والصراعات والدمار واللحاق بركب العمالة والارتزاق.

زر الذهاب إلى الأعلى