الجلوس لأكثر من 8 ساعات يومياً خطر يوازي التدخين

دراسات حديثة تحذر من أثر الخمول الطويل على القلب والأوعية والوفاة المبكرة
في مطلع القرن العشرين، ارتبطت السلوكيات المضرة بالصحة بتدخين التبغ، الذي صنّف لسنوات كأحد أبرز أسباب الوفاة المبكرة والأمراض المزمنة. لكن اليوم، يظهر منافس صامت لا يقل فتكاً: الجلوس الطويل. ففي عالم يميل فيه العمل والترفيه إلى الثبات الجسدي، تحوّل الجلوس إلى عادة متغلغلة في تفاصيل الحياة اليومية، لا يشعر بها الكثيرون، لكنها تحمل مخاطر قاتلة.
تحليلات طبية حديثة شملت أكثر من مليون شخص، نشرتها منصة «هيلث سايت»، كشفت أن الجلوس لأكثر من ثماني ساعات يومياً، من دون أي نشاط بدني يعوّض هذا الخمول، يرفع من خطر الوفاة المبكرة إلى مستوى يوازي التدخين أو السمنة.
ويقول الدكتور أبهيجيت بورسي، اختصاصي أمراض القلب التداخلية في معهد القلب الآسيوي بمومباي: «الأشخاص الذين يمضون وقتاً طويلاً في الجلوس لديهم معدلات إصابة أعلى بكثير بأمراض القلب والسرطان مقارنة بالذين يحافظون على نمط حياة نشط».
القاتل الصامت الذي يطارد المليارات
تشير بيانات منظمة الصحة العالمية إلى أن ما يقرب من 1.8 مليار بالغ حول العالم لا يمارسون النشاط البدني الكافي، ما يجعلهم عرضة للإصابة بالنوبات القلبية، والسكتات الدماغية، والسكري من النوع الثاني، وحتى بعض أنواع السرطان.
ويُعزى هذا الخمول، خاصة في البلدان ذات الدخل المرتفع، إلى أنماط العمل المكتبي، والترفيه الرقمي، مما يدفع الملايين إلى نمط يومي حافل بالجلوس وقليل بالحركة. وتُظهر الإحصائيات أن ربع الأميركيين يجلسون لأكثر من 8 ساعات يوميًا، متجاوزين بذلك الحدود الصحية الموصى بها.
«مرض الجلوس»… خلل أيضي وركود دموي
علمياً، يتسبب الجلوس الطويل بتوقف العضلات الوضعية الكبيرة عن العمل، ما يؤدي إلى تراجع حاد في معدل الأيض قد يصل إلى 90% في أول نصف ساعة فقط. ويترتب على ذلك تراكم الجلوكوز في الدم، وارتفاع نسب الدهون الضارة، ما يضاعف احتمالات الإصابة بمتلازمة التمثيل الغذائي، أحد المداخل الرئيسية لتصلب الشرايين وأمراض القلب.
ويؤدي ركود الدورة الدموية الناتج عن الجلوس المفرط إلى تراكم الدهون في جدران الأوعية الدموية، مما يسبب تضيق الشرايين التاجية ويزيد احتمالات الإصابة بالنوبات القلبية. وقد أظهر تحليل علمي أن السلوك الخامل وحده يزيد من احتمالية أمراض القلب بنسبة تصل إلى 34%.
التمارين وحدها لا تكفي
رغم أن ممارسة ما بين 60 إلى 75 دقيقة من التمارين متوسطة الشدة يوميًا يمكن أن تُخفف من تأثير الجلوس الطويل، إلا أن أغلب البالغين لا يلتزمون بهذا المعدل. فقد بيّنت دراسة تايوانية واسعة أجريت عام 2024 على نحو 480 ألف شخص، أن الموظفين غير النشطين بدنيًا يواجهون خطر وفاة بأمراض القلب يزيد بنسبة 34% مقارنة بنظرائهم النشطين.
واللافت أن فترات الراحة القصيرة خلال اليوم – مثل المشي السريع أو تمدد الجسم – ورغم فوائدها، لا تستطيع وحدها أن تلغي الأثر التراكمي للجلوس المزمن.
حلول بسيطة لكسر دائرة السكون
الخبر الجيد أن التخلص من هذا “العدو الخفي” لا يتطلب تغييرات جذرية، بل يمكن للخطوات الصغيرة أن تُحدث فرقًا كبيرًا. ينصح الأطباء بالوقوف أو التحرك كل 20 إلى 30 دقيقة، وضبط منبه لتذكير النفس بذلك. كما يساعد تمدد الجسم أو المشي لدقيقتين فقط في تحسين الدورة الدموية وتنشيط الأيض.
كذلك، يُمكن تحويل الاجتماعات الروتينية إلى “اجتماعات أثناء المشي”، أو إعادة تصميم بيئة العمل لتشجيع الحركة، مثل وضع الطابعات في أماكن بعيدة قليلًا، أو تصميم ممرات تحفز على التنقل.
أما في الحياة اليومية، فيُستحسن النزول من وسيلة النقل قبل محطة، أو ركن السيارة بعيدًا، أو حتى الذهاب إلى العمل بالدراجة إن أمكن.