اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.
مقالات الراي الجنوبي

«نوال احمد» تكتب..عدن :”أصداء المقاومة وعبق الحرية”

كتب / نوال احمد

في عام 2015، تظاهرت سماء عدن بالغمام الأسود، حين اجتاحت مليشيات الحوثي العاصمة، مهددة بسلبها ألوان الحياة وجمالها. لكن، تحت هذا السواد، كانت قلوب أبناء المدينة تتلألأ بإرادة لا تنكسر، فأعلنوا مقاومة الاحتلال حقًا مقدسًا ودعوة للكرامة.

كان عطر البحر يتسلل عبر الأزقة المليئة بالذكريات، يحمل معه همسات الأمل. اجتمع الشجعان، رجالاً ونساءً، في ساحة النضال، وارتفعت أصوات المقاومة كالأهازيج القديمة. في كل زاوية، كان هناك صوت قوي ينادي: “لنتحد!” فتشكلت لجان شعبية من شباب يعرفون معنى الشجاعة، أصحاب أدوات بسيطة، مؤمنين بأن الإيمان هو أول سلاح.

وقد اتخذت المساجد مراكز لتنسيق الجهود؛ هناك حيث ارتفعت الأكف بالدعاء، واجتمع المصلون على قلب واحد. كانت تكبيراتهم تمثل إذاعة نضالهم في أذن العالم، جرسًا يدقّ ليوقظ الوعي الوطني. في كل دعاء، كانت هناك عهود تُعقد: عهودٌ للحماسة، للاستبسال، ولم الشمل في وجه المعتدين.

لم يكن الكبار وحدهم الذين شاركوا؛ الشباب أصروا على إثبات قوتهم، والأطفال رفعوا أصواتهم بعبارات الفخر. بل كانت النساء الهامسات في الخفاء، جاوَبنَ بصوت عالٍ عند الحاجة، مُقدمات الجنود بأطباق البيت، ومسندات لأكتاف تحمل أحمالاً ثقيلة. بفضلهم، ارتفعت الروح المعنوية للجنود، وازدادت عزائمهم صلابة.

تجلى اتحاد أهل عدن في تخطيطهم الهجومي، كأن ذرات الهواء تحمل صدى أصواتهم. بتوفيق الله، خاضوا المعارك في شجاعة وثبات، مستثمرين المجازفة والتضحيات، وكأنهم ينسجون خلال كل قذيفة نسيج الحرية. كانت الصفوف متراصة، كما كانت أرواحهم، متحدةً في هدف سامٍ: تحرير المدينة من براثن الاحتلال الحوثي.

مع تسارع الأحداث، تحققت المعجزة. وصلت الأخبار بأن التحالف العربي قد أتى لنجدة الأحباب، فكان هذا الدعم بمثابة ضوء ساطع في نهاية نفقٍ مظلم. تحولت شوارع عدن إلى ميادين للكرامة، حيث امتلأت قلوب الجنود بأمل يتدفق وكل دعوة صادقة من أهلهم.

واستمر القتال، ومرت الأيام كالساعات، حتى جاء يومٌ في منتصف يوليو، لتشرق شمس النصر. عادت العدالة، وحررت عدن من أغلالها، وعادت الأرواح المحبة إلى منازلها، فالتف الناس حول بعضهم، رافعين الأعلام، وتهدر أصوات الفرح في كل ركن.

كان ذلك اليوم بمثابة يوم ميلاد جديد؛ انتصرت فيه الروح على الظلم، وحققت الإرادة ما عجزت عنه الآلة الحربية المتغطرسة. ارتسمت الابتسامات على الوجوه، لترفع رايات الحرية فوق الأسياج المنهكة، واحتفل الجميع مثل عودة غائبٍ طال انتظاره.

ظلّت تلك الذكريات محفورة في قلوب الجنوبيين، تحمل بين طياتها قهرهم، انتصاراتهم، وصمودهم. كانت عدن، جوهرة الجنوب، تعيش من جديد، تتحلى بألوان الحرية، وتنشد أغاني الحياة في أرجائها، فتبقى حكاية كفاحهم تروى عبر العصور، تذكيرًا بهوية لا تُقهر، وبقيمٍ أبدية للاحتفاظ بالوطن.

زر الذهاب إلى الأعلى