اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

قرارات الرئيس الزُبيدي تكسر الجمود السياسي وتمهد لمرحلة جديدة

 

النقابي الجنوبي/تقرير/خاص

 

في خطوة وُصفت بأنها مفصلية، أصدر الرئيس عيدروس قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي – نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، سلسلة من القرارات الإدارية التي أعادت ترتيب المشهد في مؤسسات الدولة، وأعطت دفعة قوية لمسار التمكين الجنوبي. وجاءت هذه القرارات في لحظة سياسية دقيقة، لتكسر حالة الجمود وتفتح الباب أمام مرحلة جديدة يتطلع إليها الشارع الجنوبي منذ سنوات.

تصحيح مسار الشراكة

لم تأتِ قرارات الرئيس الزُبيدي من فراغ، بل جاءت كاستجابة حاسمة على سنوات من الاستغلال المنظّم للشراكة السياسية. ففي الوقت الذي التزم فيه الجنوب ببنود الاتفاقات، كانت القوى اليمنية داخل ما يسمى بالشرعية تحوّل هذه الشراكة إلى وسيلة لتمرير أجندتها الخاصة: تمكين كوادر موالية لها في المناصب الحيوية، السيطرة على الموارد العامة، وعرقلة صرف مرتبات الموظفين الجنوبيين. ولم يقتصر الأمر على الإقصاء السياسي فحسب، بل وصل إلى حد استخدام الخدمات كورقة ضغط؛ فالكهرباء المنقطعة، والانهيار المتعمد للعملة والخدمات الأساسية، لم تكن سوى أدوات لإضعاف إرادة الجنوبيين ومحاولة إخضاعهم عبر سياسة التجويع.

شركاء بلا أرض وعبث بالجنوب

ولعل المفارقة الأبرز أن الشركاء اليمنيين في مجلس القيادة الرئاسي مع المجلس الانتقالي، المسيطر على أرضه في الجنوب، هم أنفسهم القادمون من محافظات الشمال الخاضعة لسيطرة الحوثي. هؤلاء وجدوا أنفسهم بلا أرض ولا سلطة فعلية، لكنهم في المقابل سعوا إلى ممارسة نفوذهم على الجنوب، والعبث بمصيره.

رسائل داخلية واضحة

القرارات الأخيرة لم تكن مجرد تغييرات وظيفية أو إدارية، بل حملت دلالات سياسية عميقة. ويرى مراقبون أن الرئيس الزُبيدي أعاد رسم قواعد اللعبة في الداخل، من خلال تمكين الكوادر الجنوبية لإدارة مؤسساتهم بأنفسهم، وهو ما عبّر عنه المحلل السياسي وضاح الحريري بقوله: “هذه القرارات خطوة تؤكد أن مرحلة جديدة قد بدأت بالفعل، وأن الجنوب لم يعد في موقع المتلقي وإنما المبادر وصاحب القرار.”

من جانبه، اعتبر الدكتور عبدالرزاق البكري أن القرارات تمثل ثمرة حسابات دقيقة ورؤية استراتيجية متكاملة، موضحًا أنها تهدف إلى تمكين الكوادر المؤهلة في مفاصل الدولة، بما يضع حدًا لسياسة الإقصاء التي عانى منها الجنوبيون لسنوات.

أبعاد خارجية ورسائل أبعد من الداخل

على المستوى الإقليمي والدولي، حملت قرارات الزُبيدي رسائل مفادها أن الجنوب ماضٍ في ترتيب بيته الداخلي بقرار مستقل، وأن الشراكة لا تعني القبول بالتهميش أو تعطيل الاستحقاقات. وهنا يشير المهندس عبدالجبار السقطري إلى أن المجلس الانتقالي أظهر قدرًا عالياً من المسؤولية السياسية من خلال إشادته بدور التحالف العربي والدول الراعية للسلام، ما يعكس حرص الجنوب على أن يظل جزءًا من الحل لا سببًا في إطالة الأزمة.

كما أشار أنيس الشرفي إلى أن إعلان الطوارئ خيار مطروح إذا لم تُنفذ قرارات الرئيس الزُبيدي، في إشارة إلى جدية المجلس في مواجهة أي محاولات لعرقلة التنفيذ.

جذور تاريخية للتمكين

هذه القرارات لا يمكن فصلها عن خلفية السنوات الماضية، حين تمادى الشركاء اليمنيين في الشرعية بفرض تعيينات تجاوزت الآلاف من القرارات دون الرجوع إلى مبدأ الشراكة في مجلس القيادة الرئاسي، في وقت جرى فيه استبعاد الكفاءات الجنوبية. وهو ما أوضحه الناشط خليل السفياني بقوله: “يحق للرئيس عيدروس أن يحسم ويوقف المهزلة، فالانتقالي شريك بأرضه وليس ضيفًا مثل الآخرين.”

هذا الإرث من التهميش جعل القرارات الأخيرة بمثابة استعادة لحقوق الجنوب المسلوبة، ورسالة بأن زمن الإقصاء قد انتهى.

استجابة لتطلعات الشارع

في الشارع الجنوبي، لاقت القرارات ترحيبًا واسعًا باعتبارها استجابة مباشرة لتطلعات الناس. وأكد الكاتب صالح أبو عوذل أن الخطوة جاءت تلبية لمطالب شعبية عريضة وليست مجرد موقف تكتيكي. أما الدكتور علي البحر، فاعتبر أنها تشكل أساسًا لبناء هياكل مؤسسية قادرة على إدارة شؤون الجنوب بكفاءة.

وبالنظر إلى الجانب الشعبي والسياسي معًا، يقول صالح شائف: “المرحلة الحالية تحتم على قيادة الانتقالي أن تضع حدًا للعبث بمصير الجنوب، فجاءت قرارات الزُبيدي ملبية لمتطلبات اللحظة.”

مرحلة جديدة ورسائل مستقبلية

المحصلة أن قرارات الرئيس الزُبيدي الأخيرة لم تكن مجرد رد فعل ظرفي، بل خطوة استراتيجية فتحت صفحة جديدة في مسار الجنوب. فهي من جهة أعادت الاعتبار للكوادر الحنوبية، ومن جهة أخرى وجهت رسائل سياسية واضحة للداخل والخارج بأن الجنوب يملك قراره بيده، وأن المرحلة المقبلة ستكون مختلفة تمامًا عن سابقاتها.

لقد كسر الانتقالي حالة الجمود السياسي وأعاد الثقة لجمهوره، واضعًا الجميع أمام حقيقة جديدة: أن الجنوب يستعيد زمام المبادرة، ويمضي بثبات نحو تمكين أبنائه وإعادة صياغة موقعه على الخريطة السياسية.

زر الذهاب إلى الأعلى