محمد النعماني ومقاله “قوة لا يريدون رؤيتها.. الواقع يصنع القرار”

بقلم / محمد علي رشيد النعماني
أثار تصريح وزير الخارجية اليمني لصحيفة أخبار الخليج البحرينية والذي نفى فيه وجود أي مقترحات فعلية بشأن حل الدولتين في اليمن جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية لأنه يعيد إحياء خطاب الشرعية التقليدي في لحظة تتبلور فيها حقائق ميدانية مغايرة .
يبدو التصريح محاولة لإعادة تشكيل السردية الرسمية أمام الخارج وتثبيت تصور يفهم منه أن أية ترتيبات لا تزال داخل إطار يمن موحد إسمياً رغم أن الأرض تنتج وقائع تتجاوز هذا التصور .
ووفق معادلات القوة فإن الجنوب يمتلك أدوات عسكرية و أمنية وخدمية وسياسية متماسكة بينما يستند خطاب الشرعية إلى إعتراف دولي أكثر من إستناده إلى قبول شعبي متجانس بينما تركز القوى الإقليمية على تثبيت الإستقرار البحري وحماية ممرات الطاقة .
أما الرسائل الضمنية في التصريح فتدل على محاولة تذويب القضية الجنوبية داخل سلة قضايا شاملة ونقلها من كونها حقاً سياسياً إلى ملف تفصيلي بالإضافة إلى طمأنة الأطراف الرافضة لفكرة وضع خاص للجنوب وإبقاء المجال الدبلوماسي بعيداً عن أي إعتراف مبكر بالإنقسام الوظيفي القائم .
توقعات ردود الفعل تشير إلى اتساع دائرة الإستياء داخل الشارع الجنوبي واعتبار التصريح تجاهلاً للتضحيات الميدانية في حين ستراه بعض القوى الشمالية تأكيداً لخطاب لا مساس بشكل الدولة بينما سيقرأ دولياً كرسالة تهدئة تتجنب تغيير الخرائط علناً .
ومن المخاطر المحتملة لهذا التصريح زيادة الفجوة النفسية والسياسية بين الجنوب والشرعية وضعف قابلية أي إتفاق سلام مستقبلي للعيش على الأرض وتكريس إنطباع بأن الحلول فوقية وغير إجتماعية .
أما الفرص فتتمثل في تعزيز الحوكمة الجنوبية كمسار واقعي لبناء الشرعية الإجتماعية وإجبار الأطراف على الإعتراف لاحقاً بوزن الجنوب دون صدام دبلوماسي مبكر وجوهر الرسالة الفعلية للتصريح يقوم على حماية شكل التمثيل القانوني لليمن في المحافل الدولية من دون الدخول في حرج الإعتراف بكيانات موازية فيما يزعج الانتقالي لأنه ينكر المكانة التي فرضها أبناء الجنوب بالسلاح والتنظيم والخدمات ويبدو وكأنه تراجع عن روح الشراكة المفترضة .
وعلى مستوى القراءة الواقعية فإن التصريحات لا تغير معادلات الأرض فوجود سلطتين “صنعاء-عدن” ماليتين وعسكريتين وأمنيتين وإداريتين يعني أننا إزاء انفصال وظيفي غير معلن وأي محاولة لإنكار ذلك هي تأجيل للأزمة لا حل لها .
على المجلس الإنتقالي الجنوبي الآن التأكيد على ضرورة أن السلام المستدام يرتكز على قبول شعبي جنوبي وأن أي معادلة تستثني هذا القبول ستتحول إلى اتفاق ورقي وعليه كذلك إستخدام لغة الأرقام والحوكمة لإثبات الكفاءة وعدم الإنجرار لخطابات إنفعالية وربط القضية الجنوبية بالأمن البحري والإستقرار الإقليمي وتذكير الشركاء بأن تجاهل حقائق القوة يؤدي إلى هشاشة تسويات السلام وفي المحصلة فإن التصريحات الرسمية قد تهدئ الشدبلوماسية لكنها لا تبني حلولاً فالحلول تبنى حين يستمع القرار لما تصنعه الأرض لا لما تنتجه التصريحات ..