من الدولة الفاشلة إلى اللادولة
بقلم/ د. عيدروس النقيب
من الطُرَف السياسية التي تحدثت عنها في أكثر من مناسبة ما شهدته بعض الفعاليات النقاشية والحوارية في العاصمة اليمنية صنعاء بين بعض ممثلي السلطة وبعض ممثلي المعارضة حينما كنا نتحدث عن ملامح الدولة الفاشلة التي بدأت تتبلور في سلوك وأداء سلطات الدولة اليمنية خصوصاً في ذروة الاحتجاجات الشعبية في محافظات الجنوب ممثلةً بثورة الحراك الجنوبي السلمية التي بلغ عدد الشهداء من المعتدى عليهم من نشطائها قرابة عشرة آلاف شهيد وأضعافهم من الجرحى والمعاقين والمخطوفين والمخفيين قسرياً، ثم ثورة الشباب السلمية في العاصمة صنعاء وتعز وإب وبعض المحافظات الشمالية.
كنا نحن المعارضين (الجنوبيين والشماليين) نقول أن اللجوء إلى القوة لا تمثل علامة صحة وسلامة لمنظومة الحكم بل إنها علامة من علامات الفشل، واتجاه نظام الحكم في السير نحو الدولة الفاشلة، وكان ممثلو السلطة يستشيطون غضباً من هذا الوصف ويحاولون بكل الوسائل البرهان على أن السلطة في كامل قوتها، وأن وصفها بالدولة الفاشلة يمثل إساءةً لا يمكن القبول بها. وحينما صدرت بيانات منظمة الشفافية الدولية عن الفساد ومستوى أداء حكومات العالم جاءت اليمن في مرتبة الدولة الهشة (أي مرحلة واحدة قبل الدولة الفاشلة)، وحينها خرج ممثلو السلطة وحزبها الحاكم خصوصا الزملاء الذين كنا نخوض الجدل وإياهم، مبتهجين بهذه الأخبار التي تؤكد بأن البيانات الدولية دحضت ما كنا نقوله عن الدولة الفاشلة، ويعتبرون الدولة الهشة منجزاً لهم وتفنيداً لما كنا نقوله.
ولم تمض أشهر حتى حدث ما حدث حينما جاء الانهيار الشامل لمنظومة الحكم وانتقل البلد من نظام الدولة الهشة، إلى الدولة الفاشلة ثم إلى حالة اللآدولة التي تعيشها البلاد سواء في الشمال، حيثما يسيطر الحوثيون على 95% من مساحة الجمهورية العربية اليمنية، أو في الجنوب حيث تواصل الحكومة الشرعية حربها على الشعب الجنوبي من خلال حرمان أبناء الجنوب من أبسط مقومات الحياة، وأهمها المياه النقية والكهرباء والخدمة الطبية والمرتبات الشهرية وشبكات الصرف الصحة وكل ما يتفرع عن هذه المتطلبات الضرورية من خدمات تفوقت حكومات الشرعية في تغييبها تغييباً كلياً عن حياة المواطنين الجنوبيين، بعد قرن كامل من دخولها في حياتهم.
نحن اليوم في وضع اللادولة، فما من علامة واحدة تشير إلى أن لدينا دولة أو شيئٌ من مزاياها.
نعم لدينا حكومة، ولدينا شعب ولدينا مساحة جغرافية، لكن الحكومة لا تربطها بالشعب أية صلة سوى أن تتغذى على خيراته كما تتغذى دودة الإسكارس والدودة الشريطية على ما في امعاء المصاب بها .
نعم لدينا قطاع جغرافي لكن هذا القطاع لا تربطه صلة بالحكومة سوى إنها تتعيش على خيراته وتنهب، (وبالأحرى تشارك في نهب) ثرواته دون أن تقوم على حمايته أو تنميته أو حتى إدارته.
كنا نشكو من الدولة الهشة التي ابتهج بها الحكام ومروجي بضائعهم الكاسدة، لكن إصرارهم على أنهم دولة قوية وعنادهم في التصدى لحقائق التاريخ وإنكار فعلها قد نقلنا وإياهم إلى الدولة الفاشلة ثم إلى اللادولة.
وما الفرق بين الدولة الفاشلة واللادولة سوى كالفرق بين نظام علي عبد الله صالح آخر أيامه ونظام رشاد العليمي هذه الأيام.
والله غالبٌ على أمره.