لماذا يُحاسب “الانتقالي” وحده؟… عن منطق التجاهل السياسي وخداع الرأي العام

النقابي الجنوبي/تقرير: هشام صويلح
قد يتساءل مراقب خارجي: لماذا تُسلّط سهام النقد في الجنوب نحو “الانتقالي” دون غيره؟ لماذا يُصوَّر في الإعلام وكأنه يتحمل كامل المسؤولية عن الانهيار المعيشي والخدماتي، بينما لا يُشار إلى الأطراف الأخرى الشريكة في الحكم؟ يقدّم خالد الكثيري تفسيرًا واضحًا لهذا التضليل، مؤكدًا أن وراءه خطة ممنهجة لصناعة خصم بديل يغطي على تقاعس الآخرين.
يشرح الكثيري أن “الانتقالي” هو الطرف الوحيد الذي بقي في الداخل، يخوض المعارك العسكرية ضد مليشيات الحوثي والجماعات الإرهابية تارة، ويتصدى للأزمات الاقتصادية تارة أخرى، ويتحمل كلفة الاحتجاجات الشعبية من دون أن يملك كل مفاتيح القرار السياسي والاقتصادي. وبالمقابل، يغيب شركاء الشرعية عن الواجهة، لا يتحملون أي مسؤولية، بل يحرّضون ضد المجلس عبر أدواتهم الإعلامية.
السر في ذلك – كما يراه الكثيري – أن الأطراف الفارة تستفيد من تصدّر “الانتقالي” للمشهد، لتتنصل من أي مسؤولية، وتخلق خصمًا ظاهرًا تُحمّله فشلها. ولأجل ذلك، تبذل هذه القوى جهدًا في إفشال كل محاولة جدية للإصلاح، حتى حين بادر “الانتقالي” بإجراءات بنكية عبر المركزي، سعت لإلغائها لا لسبب إلا لأنها صادرة عنه.
هذه الممارسات تفضح، كما يقول الكثيري، نفاقًا سياسيًا بات مكشوفًا؛ فالمجلس لا يحتكر السلطة، لكنه يُحاسب كأنه يحكم بمفرده. وهي مفارقة تكشف وجهًا من أوجه “التدليس السياسي”، الذي يُغرق الناس في خطاب محمّل باللوم على من بقي، ويعفي من هرب.
من هنا، فإن الرأي الذي يخلص إليه الكثيري، هو أن العدالة السياسية تتطلب مقاربة واقعية لا انفعالية. إذ لا يمكن بناء خطاب نقدي مسؤول على تغييب الفاعلين الحقيقيين في السلطة، ولا يصح أن تُوزع التهم فقط على من بقي بالداخل، بينما يُرفع الغطاء عن من اختبأ في عواصم الخارج.
في المحصلة، ما يواجهه “الانتقالي” ليس فقط أزمة خدمية، بل معركة وعي. معركة مع خصوم لا يظهرون في الميدان، لكنهم يوجهون الرأي العام من وراء الستار، ويصوغون خطابًا يُدين الفاعل ويُبرئ الغائب.