اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.
أدب وثقافة

الجزء السابع: “الغيرة… والهدية المريبة”

 

كتب/ بسمة نصر

(رواية تحت الطاولة)

وصلت إلى العمل متأخرة قليلا، وللمرة الأولى. وما إن دخلت حتى قالت لي إحدى الزميلات بلهجة غاضبة: “ممنوع عليك التأخير… كان يجب أن تبلغيني مسبقا”!.

أجبتها بهدوء: “لقد أخبرت المدير… وقال لي لا بأس”

لكنها ازدادت غضبا، فالجميع اعتاد ألا تجرؤ أي فتاة على الرد. وقبل أن يتطور النقاش، سمعت صوت المدير يناديني: “نيسان… نيسان!”

ذهبت إليه مسرعة، فقال أمام الزميلة الغاضبة: “هذه آخر مرة تتأخرين”!

نظرت إليه بثبات وقلت: “لكنني أخبرتك مسبقا!!.

ابتسم وغمز كعادته، فأجبته بابتسامة باهتة: “تمام… آخر مرة”.

عدت إلى عملي، حيث كان الزبائن لا يريدون التعامل إلا معي. استقبلت واحدا تلو الآخر، رجالا ونساء، حتى لمحت الغيرة واضحة في عيون زميلاتي.

دخلت زبونة بسيطة المظهر تبحث عن كفر لهاتفها سامسونج A30. سألت “أشجان” عن السعر، فأجابتها ببرود: “بخمسة آلاف ريال”.

تعجبت الزبونة وقالت: “غالي!” ثم استدارت لتغادر.

ناديتها بابتسامة وقلت: “انتظري… لدينا أنواع مختلفة، هذا 3 آلاف، وهذا 4، وهذا 5 لكنه للمنظر فقط”.

تنفست الزبونة الصعداء وقالت: “لكن الموظفة الأخرى لم تشرح لي هذا!!!

ابتسمت وقلت: “ربما لأنها جديدة ولا تعرف كل التفاصيل”.

اشترت الزبونة الكفر 3 آلاف، وسجلت المبيعات.

سمعت صوت المدير يناديني من غرفة الصيانة:
نيسان “ماذا اشترت الزبونة”؟

أجبته: “كفر ب3 آلاف”.

قال: “ولماذا لم تبع لها أشجان”؟!

أجبته: “لأنها بالغت في السعر… فرفضت الزبونة”.

ابتسم وقال: “أحسنت” ثم صرخ على أشجان التي حاولت التبرير قائلة: “كانت تردي ملابس رثة اي فقيرة”!

لكن المدير رد بصرامة: “فقيرة أو غنية… هذا ليس شأنك.

ساد صمت ثقيل، وكانت عيون أشجان تتقلب اتجاهي بحقد.

في تلك الأثناء، جاءني زبون آخر يسأل فقط عن أسعار بعض المنتجات. جلست أشرح له بهدوء، أخرج له البضاعة وأفصل الأسعار، رغم أنه لم يشتر شيئا.

قالت أشجان بسخرية: “لماذا تتعبين نفسك؟ هو أصلاً لم يشتري”.

أجبتها بابتسامة واثقة: “اليوم عرف الأسعار… وغدا سيعود”.

وفعلا… عاد في اليوم التالي واشترى كمية كبيرة.

كان ذلك اليوم 7 مارس، عيد ميلاد “فاطمة”، الزميلة التي تتصرف وكأنها مديرة. الكل هنا يحسب لـٍهآ الف حساب إلا أنا. لم أعطي الأمر أهمية.

وفجأة دخل إلى المحل بوكيه ورد فاخر وصندوق مكياج مع بطاقة مكتوب فيها: “إلى الإنسانة التي أحببتها… المهندسة فاطمة”.

تمتمت الأصوات: “إنها هدية من المدير”!

لكنني في داخلي لم أصدق. شعرت أن فاطمة أرسلتها لنفسها، خاصة أن المدير بدا متفاجئا مثلنا.

في نهاية الدوام، رتبت المبيعات وغلفت المبالغ وسلمتها للمدير. بالنسبة لي… انتهى اليوم الساعة العاشرة مساءا.

أما بنت خالة فاطمة، المبرمجة الغارقة في خواريزمها، فضحكت حين أخبرتها أن الهدية من فاطمة لنفسها. عندها ازددت يقينا أنها مجرد مسرحية.

وقبل إغلاق المحل بدقائق، دخلت زبونة “مرحة” تريد شراء شريحة. أشرت لها أن تتجه نحو أشجان، لكنها صرخت: “انتهى الدوام”!

ابتسمت للزبونة وقلت: “لا بأس… سأبيعها لك”.

لكن أشجان انفجرت غاضبة: “لا! هذا ليس من اختصاصك”!

تضايقت الزبونة وقالت بصوت مرتفع: “لماذا تتصرفين وكأنك صاحبة المكان؟ أين المدير”؟

جاء المدير مسرعا، فاتهمت الزبونة أشجان بالوقاحة. حاول تهدئة الموقف وأعطاها الشريحة مجانا، ثم التفت إلي قائلا: “نيسان… دوني في دفتر المبيعات، تخصم قيمة الشريحة من راتب أشجان”.

احمر وجه أشجان، وغادرت غاضبة. لكنها تمتمت قبل خروجها: “لو أنك لم تتكلمي… لما حدث شيء”!

أجبتها بهدوء: “ولا يهمك… دقيقة إضافية لن تغير العالم”.

وثم أعطاني المدير خمسة آلاف ريال للمواصلات. رأيت نظرات الغيرة تشتعل في عيون أشجان والمهندسة. طلبت أشجان نصيبها، فأعطاها ألف ريال فقط. غضبت وقالت:و”ألف فقط؟!”

أما أنا، فوضعت المبلغ في حقيبتي بصمت.

قال المدير جملة أنهت الجدال:”لا تقارنوا أنفسكم بنيسان… فهي تعمل أكثر منكم جميعا، وتحقق مبيعات عبر الإنترنت”.

حينها طالبت المهندسة بمائتي دولار. حاول المدير تأجيل الأمر، لكنها أصرت، فأعطاها المبلغ. وعند خروجها كانت تتمتم بفخر:
“أي شيء أريده… آخذه. لا أحد يرفض لي طلبا، حتى المدير”.

وفي دفتري الأسود كتبت:
“الحسد يطفئه الرضا… لكن الغدر لا يوقفه إلا الحذر”.
رأيت في العيون ما هو أخطر من الكراهية… كأن شيئا يحاك تحت الطاولة، ينتظر اللحظة المناسبة ليفاجئني”.

زر الذهاب إلى الأعلى