اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

وضاح الحريري يكتب:  اليمن نحو سلام تحت النار والجنوب أمام لحظة القرار الصعب

 

كتب/ وضاح قحطان الحريري

في الوقت الذي تتحدث فيه العواصم الإقليمية والدولية عن فرص سلام قادم في اليمن، تبدو الحقيقة على الأرض مغايرة تمامًا، فالمشهد يغلي تحت الرماد، والهدوء الظاهر يخفي صراعًا معقّدًا على النفوذ والمصالح بين أطراف إقليمية ودولية، تتقاطع فيها إرادة السلاح مع لغة الدبلوماسية. ومن بين كل هذه التعقيدات يبرز الجنوب كعنصر حاسم في معادلة الحل، لكنه في الوقت ذاته يقف أمام لحظة مصيرية تحتاج إلى قرار وطني شجاع.

في الحقيقة، ما قاله الوزير الزنداني لم يكن مجرد تصريح عابر، بل إشارة سياسية خطيرة تُعبّر عن توجه رسمي يهمّش الجنوب في لحظة مفصلية من تاريخ اليمن. لكن، في المقابل، يمكننا أن نقرأها إيجابيًا من زاوية أخرى؛ فهي كشفت المستور وأوضحت أن الجنوب ما زال خارج حسابات ما يسمى بـ”الشرعية اليمنية”، وبالتالي منحت المجلس الانتقالي والشعب الجنوبي مبررًا قانونيًا وسياسيًا للتحرك نحو استقلالية القرار الجنوبي دون تردد. إذاً، نعم، هي قنبلة سياسية، لكنها “قنبلة وعي” أكثر من كونها تهديدًا، فقد أيقظت الشارع الجنوبي على حقيقة أن الحل لن يُمنح بل يُنتزع، وأن على القيادة الجنوبية أن تنتقل من مرحلة الانتظار إلى مرحلة الفعل السياسي والسيادي الممنهج.

المشهد اليمني اليوم لا يُدار من صنعاء أو عدن كما يُفترض، بل من عواصم النفوذ في لوحة معقدة من الحسابات السياسية. فقطر وتركيا تتحركان لإعادة إنتاج نفوذهما القديم عبر بوابة الوساطات والمصالح الفكرية والسياسية، في حين تراقب مصر المشهد بقلق خشية من تمدد تيارات الإسلام السياسي في خاصرتها الجنوبية.

الحوثي من جانبه يدرك أن العالم يتعامل معه اليوم كأمر واقع لا كجماعة انقلابية، واستطاع أن يُكرّس هذا الوضع بسياسة النفس الطويل، محوّلاً المفاوضات إلى مسرح تكتيكي يراوغ فيه الجميع ويكسب الوقت لإعادة ترتيب أوراقه في الداخل. أما ما يُسمى بـ”الشرعية” فقد تحولت إلى كيان إداري بلا تأثير فعلي، تُدار قراراته من الخارج وتتحكم به توازنات العواصم لا إرادة الداخل، لتفقد بذلك معناها ومشروعيتها أمام شعبٍ أنهكته الوعود وتعب من الانتظار.

الحديث عن السلام في اليمن اليوم يبدو أشبه بسلام تحت النار، فكل طرف يرفع شعار التهدئة وفي الوقت نفسه يستعد لجولة صراع جديدة، والناس وحدهم من يدفعون الثمن. الجنوب في خضم هذا المشهد لم يعد متفرجًا، بل بات يمتلك وعيًا سياسيًا متقدًا يدرك أن مستقبله مرهون بقدرته على امتلاك قراره، وأن زمن التبعية قد انتهى. الحل القادم، إن كان هناك حل فعلاً، لن يُفرض من الخارج، بل سينبع من توازن القوى على الأرض ومن إرادة الشعوب التي قررت أن تكون شريكًا لا تابعًا. لقد آن الأوان أن ينتقل الجنوب من الدفاع عن وجوده إلى صناعة مصيره، وأن يدرك أن السلام الحقيقي لا يُولد من اتفاقات تُصاغ خلف الأبواب المغلقة، بل من إرادة أحرار قرروا أن يعيشوا بكرامة أو لا يعيشوا على الإطلاق

زر الذهاب إلى الأعلى