الوحدة لا تُبنى بالأناشيد: الجنوب في زمن الغدر والصمت

كتب/ د/فائز سعيد المنصوري
من المثير للدهشة أن نجد بعض أبناء المحافظات الشمالية يتغنّون بوحدة اليمن، وهم يدركون تمامًا أن العاصمة السياسية للبلاد، صنعاء، واقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي. فالسلاح الذي يُفترض أن يكون بيد الجمهورية اليمنية بات اليوم في قبضة هذه الجماعة، بل إن بعض منتسبي الجيش اليمني يخضعون لإدارتها. والأسوأ من ذلك، أن كثيرًا من أبناء تلك المناطق، الخاضعة لسيطرة الحوثيين، يشاركون في مسيراتهم ومظاهراتهم، بينما لا يظهر من بينهم إلا القليل ممن يعارضونهم علنًا. ومع هذا الواقع، نجد من يرفع الزوامل والأناشيد المناهضة للحوثي، دون أن يكون لهم أثر فعلي في ميادين القتال. وفي المقابل، يعيش قادة من أبناء المحافظات الشمالية، ممن يدّعون تمثيل الشرعية، في فنادق وشقق مفروشة على حساب الشعب. وإن ضاقت بهم السبل، قصدوا الرياض، عاصمة القرار العربي، بينما يتحمل أبناء الجنوب عبء تدهور الخدمات وضيق المعيشة. لقد طال صبر الجنوبيين على شرعية لم تخدمهم، بل خدمت – بشكل مباشر أو غير مباشر – عدوهم الحوثي. ومن هذا الواقع، تبرز الحاجة إلى توجيه ثلاث رسائل عاجلة، قبل فوات الأوان:
الرسالة الأولى إلى التحالف العربي:
عليكم أن تمارسوا ضغطًا حقيقيًا على أبناء المحافظات الشمالية؛ فإن كانوا صادقين في سعيهم لتحرير أرضهم من قبضة الحوثي، فليفعلوا ذلك بصدق دون غدر أو خيانة. وإن لم يكن لديهم الاستعداد لذلك، فليعودوا إلى محافظاتهم، لأن الجنوب لن يكون حاضنًا للجبناء والمتقاعسين. لقد قدَّم الجنوب الشهداء لإسقاط المشروع الحوثي الفارسي، ولن يقبل أن يتحول إلى مأوى للمتخاذلين.
الرسالة الثانية إلى أبناء الجنوب:
كونوا صفًا واحدًا في رفض تحويل أرضكم إلى ملاذٍ لمن لا يعتز بأرضه، ولا يسعى لتحريرها. فمن عجز عن حماية بيته، قد يتحول يومًا إلى أداة بيد عدوكم – الحوثي – يُستخدم للإضرار بالمكان الذي آواه. وقد أثبتت أحداث عام 2015 صدق هذا التحذير، وبعد تحرير عدن من الحوثي ظهرت خلايا نائمة تخدمه؛ لذا يا أبناء الجنوب، كونوا على حذر، واصطفّوا لحماية أرضكم.
الرسالة الثالثة إلى أبناء الشمال:
كفى تغنّيًا بوحدة لم تحافظوا عليها! إن كنتم ترون أن محافظاتكم محتلة، فحرروها، وابدؤوا بإعادة بنائها. أما التمسك بالشعارات والتغني بالوحدة في ظل غياب الفعل والإرادة، فلا يزيد إلا من عمق الجراح، ويكشف انفصالًا مؤلمًا عن واقع قاسٍ لا يرحم.
وختامًا: الوحدة ليست نشيدًا يعلو في المناسبات، بل عقد وطني يقوم على العدالة والمساواة والتضحيات المتبادلة. فإن لم يكن هناك فعل يوازي هذا الشعار، فلن تكون هناك وحدة، بل استغلال تحت عباءتها. وعلى الجميع أن يقرر: إما أن يكون شريكًا حقيقيًا، أو أن يتحمّل نتائج الانفصال القائم بالفعل وإن لم يُعلن رسميًا.