اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.
اخبار تعز

من يحكم تعز.. الشرطة أم العصابات؟

اقتحام “ساسكو” يكشف تحوّل أجهزة الأمن إلى أدوات ترويع ونهب في وضح النهار

 

النقابي الجنوبي/خاص

 

 

في حادثة صادمة تعيد للأذهان صور الفوضى الأمنية التي عاشتها مدينة تعز اليمنية في مراحل متعددة من الحرب، أقدمت قوة تابعة لشرطة النجدة، مدعومة بعناصر من قسم شرطة الضباب، أمس الأحد 1 يونيو 2025م، على تنفيذ عملية اقتحام مسلح لمحطة “ساسكو” الخاصة بتموين الغاز والمركبات، الواقعة في منطقة الضباب، جنوبي المدينة، متسببة بحالة من الذعر والصدمة في أوساط الموظفين والسكان، ووسط تساؤلات متجددة: من يدير الأمن في تعز؟ ومن يملك قرار استخدام السلاح واقتحام المؤسسات؟

 

المؤسسة، المعروفة بنشاطها الخدمي، لم تكن هدفًا لمسلحين خارجين عن القانون هذه المرة، بل لجهات ترتدي الزي الرسمي، وتحمل صفة قانونية، لكنها مارست سلوكًا وُصف من قِبل إدارتها بأنه “لا يمت بصلة لمهام أجهزة الدولة”، بل يعبّر عن “عصابات خارجة عن القانون”

 

 

 

 

اقتحام.. تخريب.. ونهب رسمي

 

 

 

بحسب بيان صادر عن مؤسسة “ساسكو”، فإن قوة أمنية تابعة لشرطة النجدة، مدعومة بعناصر من قسم شرطة الضباب، عملية اقتحام للحوش الرئيسي بالمحطة، مستخدمة الذخيرة الحية لترويع الموظفين وطردهم من الموقع بالقوة، أعقبها نهب مباشر لمعدات وأدوات وممتلكات، إلى جانب مصادرة كاميرات المراقبة، واختطاف اثنين من العاملين في المؤسسة، وفرض طوق أمني على الموقع حتى اللحظة.

 

البيان لم يكتفِ بسرد تفاصيل الحادثة، بل اعتبر ما جرى “سابقة خطيرة” تهدد أمن واستقرار المؤسسات الخدمية والاستثمارية، محملًا شرطة النجدة المسؤولية الكاملة عن جميع الأضرار المادية والمعنوية، وطالب بفتح تحقيق شفاف في الواقعة، وإعادة الاعتبار للمؤسسة، وإنهاء الاحتلال المسلح للموقع.

 

 

الفوضى تتجاوز المسميات.. والسلطة تتهرب

 

هذه الحادثة، وإن بدت للوهلة الأولى مجرد تجاوز أمني أو تصرف فردي، إلا أنها تفتح ملفًا أعمق يتصل بطبيعة السلطة الأمنية في تعز، وعلاقتها بالجهات الرسمية، ومدى خضوعها للقانون. فأن تتحول “النجدة”، وهي وحدة يُفترض أن تحفظ الأمن، إلى أداة اقتحام وترويع ونهب، فهذا يشي بانزلاق خطير في تركيبة الدولة المحلية، وتحوّل بعض الأجهزة إلى أدوات لخدمة مراكز نفوذ تتصرف كـ”دولة موازية” داخل المدينة.

 

يطرح مراقبون تساؤلات حول الجهة التي أصدرت الأوامر، ومن منح التغطية لهذه العملية، وما إذا كانت هناك توجيهات رسمية بالفعل، أم أن المشهد بات مفتوحًا أمام تصرفات فردية مغطاة بزي رسمي وسلاح شرعي.

 

 

 

“ساسكو” لا تستسلم.. والنداءات تتصاعد

 

 

المؤسسة، التي أكدت تمسكها بحقها القانوني في مقاضاة المعتدين، وجّهت نداءً عاجلًا إلى رئيس مجلس القيادة الرئاسي، ووزيري الداخلية والدفاع، ومحافظ تعز، وقائد المحور، ومدير الأمن، وكافة مشائخ وأحرار المحافظة، من أجل التدخل السريع لوقف ما وصفته بـ”العبث” الذي يستهدف مؤسسات الدولة والمجتمع.

 

نداء ساسكو لم يذهب في الهواء، فقد أعقبته إدانات واسعة من نقابات مهنية ومؤسسات مجتمعية، عبّرت عن تضامنها الكامل مع المؤسسة، معتبرة ما حدث تهديدًا مباشرًا لبقية المؤسسات الخدمية، وتأكيدًا على هشاشة الوضع الأمني، وعجز الدولة عن ضبط من يفترض أنهم ضمن أجهزتها.

 

 

المؤسسة الأمنية بين التسييس والارتزاق

 

 

حادثة “ساسكو” تسلط الضوء مجددًا على معضلة تعز الأمنية التي لم تُحل منذ سنوات، بل تعمقت في ظل الصراعات السياسية داخل المدينة، وتعدد مراكز النفوذ، وتوظيف بعض الأجهزة الأمنية لصالح أجندات حزبية أو مصالح ضيقة. وقد سبق لهذه الأجهزة أن تورطت في حملات اقتحام لمؤسسات تجارية، وتصفية حسابات مع ناشطين، وحتى التغطية على تهريب السلاح والوقود في بعض النقاط.

 

هنا يُطرح السؤال الأكبر: هل ما تزال المؤسسة الأمنية في تعز تعمل ضمن إطار الدولة، أم تحولت إلى كيان موازٍ لا يخضع للمحاسبة؟ وهل يمكن الوثوق بجهاز يُفترض أن يحمي المواطن لكنه يتورط في اقتحام منشأة وطنية؟

 

 

مشهد يكرّس اللا دولة.. ويقوّض الثقة

 

لا تتعلق خطورة ما حدث في محطة “ساسكو” بالجانب المادي فقط، وإنما بتأثيره على صورة الدولة وسمعة المدينة. فالمستثمرون والمؤسسات المحلية، وحتى المواطنين، سيعيدون حساباتهم في ظل هذا التوحش الأمني الذي لا يفرّق بين لص يرتدي قناعًا، وآخر يرتدي بزّة رسمية.

 

إن تعز، بما تمثله من مركز حضري وتاريخي وثقافي، لا تستحق أن تُدار من قبل جهات تتصرف بمنطق الغلبة والسلاح، بل يفترض أن تكون نموذجًا للالتزام المؤسسي وتكافؤ الفرص والعدالة. أما أن تتحول المدينة إلى ساحة تجريب للنفوذ والانفلات، فإن الخاسر الأول سيكون المواطن، والخاسر الأكبر هو فكرة الدولة ذاتها.

 

 

ختامًا، فإن ما جرى في “ساسكو” ليس مجرد حادثة معزولة، بل عرض مرضي لحالة انهيار الدولة في تعز، ما لم يُتخذ موقف واضح وصارم ضد المتورطين، فإن مثل هذه الوقائع ستتكرر، وربما على نطاق أوسع، وعلى مؤسسات أكبر. والسؤال سيظل مطروحًا: هل ما زال في تعز من يحكم باسم الدولة.. أم أن السلطة الفعلية باتت بيد “العصابات الرسمية”؟

زر الذهاب إلى الأعلى