اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

بوثيقة مفخخة باسم “الشرف”.. الحوثيون يبتزون قبائل البيضاء لإشعال جبهة الحد يافع

تحقيق استقصائي يكشف خطط الترهيب والتجنيد القسري.. والقوات المسلحة الجنوبية تكبدها خسائر موجعة

النقابي الجنوبي/خاص

في سياق تصعيد عسكري فاشل، تكشف وثيقة عن محاولة حوثية خبيثة لجرّ قبائل البيضاء نحو مستنقع الحرب في يافع عبر أسلوب الترهيب والتضليل الممنهج. الوثيقة التي وُقعت في ظروف مريبة وسط مدينة البيضاء، حملت اسم “وثيقة الشرف”، لكنها في جوهرها كانت خطة ابتزازية لإجبار القبائل على الانخراط في معركة لا تخصهم، بل تهدف لإشعال فتنة قبلية تمتد إلى الجنوب.

الوثيقة عن مصادر قبلية مطّلعة، تتضمن بنودا خطيرة تفرض التزاما قسريا بدعم مليشيات الحوثي عبر المال والرجال والمؤن، وصولا إلى تسليم السلاح الثقيل والمشاركة في الهجوم على مواقع القوات المسلحة الجنوبية. وقد تم توقيع الوثيقة تحت التهديد وفي أماكن عامة خارج أي إطار رسمي، ما اعتبره شيوخ القبائل “إهانة صريحة للأعراف وتجاوزا لكل الخطوط الحمراء”.

ترهيب علني ومضمون خطير

أبرز ما جاء في الوثيقة هو فرض التزامات تتضمن إرسال الأبناء للقتال، توفير الغذاء من المنازل، التبليغ عن المعارضين، الضغط على مقاومة آل حميقان لتسليم أنفسهم، والتخلي عن أي أقارب في مناطق خارجة عن سيطرة الحوثي. وقد وُصفت الوثيقة من قبل بعض المشايخ بـ”ورقة إذلال جماعي”، هدفت لاختبار مدى قابلية المجتمع القبلي للانصياع المطلق.

الفشل يبدأ من الحد

اختبار الولاء الميداني تمثل في هجوم استطلاعي على مديرية الحد يوم السبت 26 أبريل، غير أن القوات المسلحة الجنوبية كانت بالمرصاد، ونصبت كمائن ناجحة كبّدت المليشيات خسائر مبكرة. وفي اليوم التالي، الأحد 27 أبريل، شنت المليشيا هجوما أوسع رافقه قصف مدفعي على مواقع جنوبية، غير أن ضربة استباقية حاسمة للقوات الجنوبية دمّرت ثلاثة مواقع حوثية بالكامل.

سلسلة هجمات وانتكاسات متتالية

تواصلت الاشتباكات حتى فجر الاثنين 28 أبريل، حيث تكبد الحوثيون خسائر بشرية ومادية جسيمة، دون تسجيل أي خسائر جنوبية في تلك الليلة. في الثلاثاء 29 أبريل، حاولت المليشيات شن هجوم انتقامي على منطقة قشعة عبيد من ثلاثة محاور، تزامنا مع قصف عنيف استهدف قرى وادي ريشان وآل الحيد والهضبة، ما أسفر عن إصابة الطفل طاهر محمد أحمد صالح وتضرر ممتلكات مدنية.

ورغم القصف ومحاولة الالتفاف، سجّلت القوات الجنوبية صمودا بطوليا في قشعة عبيد، حيث تم كسر الهجوم الحوثي وسقط خلال المواجهات شهيدان جنوبيان وأربعة جرحى، مقابل خسائر كبيرة في صفوف المليشيا.

وثيقة الفتنة وإشعال الصراع القبلي

مراقبون اعتبروا “وثيقة الشرف” محاولة لإشعال حرب بينية بين البيضاء ويافع، بما يخدم مصالح الحوثيين في تثبيت حضورهم غير المشروع دون الانخراط المباشر في معارك طويلة ومكلفة. ووفق مصادر محلية، فإن كثيرا من الموقعين على الوثيقة لم يكونوا على علم بتفاصيلها، وجرى استدعاؤهم عبر وسطاء تحت ذرائع اجتماعية، ثم أرغموا على التوقيع تحت الضغط.

عرض تاريخي: من آل حميقان إلى يافع.. سياق قديم يتجدد

تاريخيا، كانت قبائل آل حميقان في البيضاء من أبرز القوى المناهضة للحوثيين منذ بداية الحرب، وقد شكلت مقاومة صلبة حالت دون بسط الجماعة سيطرتها الكاملة. وكانت يافع دائما الحاضن الخلفي للمقاومة في البيضاء، وهو ما يُفسر تركيز الحوثي على تفكيك العلاقة التاريخية بين المنطقتين. ومنذ عدة سنوات، تحاول الجماعة تجنيد أبناء البيضاء لخوض معارك بالوكالة، عبر سياسات الترهيب، واستغلال الانقسام القبلي، وزرع الفتنة بين المكونات.

لا مشروع سوى الحرب

تكشف هذه الوثيقة، بما تحمله من بنود قسرية، عن استراتيجية مليشيا الحوثي في استغلال الهشاشة القبلية لتمرير أجندة حرب شاملة لا تستند إلى مشروع سياسي، بل تعتمد على استدامة الفوضى وإعادة تدوير الصراعات المناطقية. وفي هذا السياق، يتضح أن الجماعة باتت تراهن على تحويل القبائل إلى وقود لمعارك عبثية بعد أن فشلت في كسر الجبهات الجنوبية عسكريا.

معركة وعي لا تقل ضراوة عن الميدان

إن ما يجري في البيضاء لا يمكن فصله عن السياق الأوسع للصراع، حيث لم تعد جماعة الحوثي تقاتل من أجل مشروع سياسي واضح، بل باتت تعتمد على تفجير النزاعات القبلية كوسيلة للبقاء المؤقت. ففي الوقت الذي تسوّق فيه وثائق “الشرف” كغطاء زائف لتحالف قبلي، يتضح أنها أدوات خداع مفرغة من أي مضمون وطني أو ديني، هدفها تحويل القبائل إلى وقود لحرب عبثية بلا أفق.

ويبقى الرهان الحقيقي اليوم على وعي أبناء قبائل البيضاء وقدرتهم على قراءة أبعاد المؤامرة التي تحاك ضدهم، ورفض تحويلهم إلى أدوات في صراع لا يخدمهم، بل يبتلع مستقبلهم ومكانتهم الاجتماعية. فالمعركة ليست فقط على الأرض، بل أيضا في العقول، حيث يصطف الجنوب ومعه الأحرار في الشمال لمنع تحويل البلاد إلى ساحة فتن مستدامة تتغذى على حساب كرامة القبائل وتاريخها.

زر الذهاب إلى الأعلى