المراكز الدينية اليمنية في الجنوب.. أذرع وصاية تحت لافتة التعليم

النقابي الجنوبي/خاص
في الوقت الذي يخوض فيه الجنوب معارك متشابكة على الصعيدين الأمني والسياسي، برزت ظاهرة خطيرة آخذة في التوسع، انتشار المراكز الدينية المرتبطة بالتيار الحجوري وبعض الجماعات السلفية القادمة من العربية اليمنية. أحدث حلقاتها كانت محاولة إنشاء مركز في يافع، لتعيد إلى الواجهة سؤالاً وجودياً: هل هذه المراكز تعليمية بالفعل، أم أنها مشاريع نفوذ سياسي مموّل ومخطط بعناية لإعادة الوصاية على الجنوب؟
تمويل غامض.. أموال بملايين الدولارات
يكشف الصحفي صلاح بن لغبر عن تدفقات مالية ضخمة بمئات الملايين من الدولارات تتدفق إلى هذه المراكز بشكل دوري، دون رقابة من أي جهة رسمية. هذا التمويل الغامض يطرح سؤالاً لا يحتمل التأجيل: من يمول هذه المراكز؟ ولأي غاية؟
هل هو دعم تعليمي بريء؟ أم محاولة مدروسة لبناء جماعات ولاء سياسي تدين بالولاء لجهات خارجية؟
المشهد يوحي أن ما يُبنى تحت شعار “التعليم الديني” ليس إلا مشروعاً موازياً لإعادة إنتاج الهيمنة على الجنوب عبر البوابة الدينية.
من التعليم إلى النفوذ.. انحراف واضح
يفترض أن تكون هذه المراكز مؤسسات تعليمية بحتة، لكن الوقائع تكشف انحرافاً خطيراً عن أهدافها المعلنة. بن لغبر يوضح: “حين يُغذّي القائمون عليها فكرة الزعيم الملهم، فهذا انحراف عن الهدف الديني والتعليمي وتحويل المركز إلى منصة نفوذ سياسي واجتماعي خطير”.
الكاتب عبدالله الجحافي يذهب أبعد، مؤكداً أن “الدين لا يجوز أن يُستغل مطية لمشاريع سياسية، خصوصاً تلك التي تستهدف حق الجنوبيين في تقرير مصيرهم”.
تقديس الأشخاص.. صناعة ولاءات عمياء
أخطر ما في هذه المراكز هو تحويل بعض المشايخ إلى زعماء مطاعين، فيصبح الانقياد أعمى، وقابلاً للاستغلال السياسي في أي لحظة. بن لغبر يحذر: “اتباع الأشخاص بدل النصوص الشرعية انحراف خطير، قد ينقلب على البلاد بين ليلة وضحاها”.
هذا الانقياد ليس دينياً فحسب، بل مشروع سياسي لإنتاج كتل ولاء تُفرض على المجتمع الجنوبي، وتعمل كأذرع نفوذ لا علاقة لها برسالة الدين الحقيقية.
فتاوى تحريضية.. الكلمة تتحول إلى دم
التيار الحجوري نفسه يقف خلف موجة من الفتاوى الدموية التي استهدفت الجنوبيين بشكل مباشر. الشيخ الحجوري وصف الجنوبيين بأنهم “صعاليك وعملاء ومرتزقة”. فيما ذهب آخر، هو الشيخ محمد الإمام، إلى تكفير كل من يطالب بفك الارتباط عن ما تسمى بالوحدة اليمنية.
بن لغبر يؤكد أن “تلك الفتاوى دفعت وألهمت إلى قتل الجنوبيين”، مشيراً إلى مجزرة سناح التي سقط فيها خمسون شهيداً بينهم أطفال.
السؤال هنا ليس فقط: من يصدر هذه الفتاوى؟ بل: من سمح بانتشار هذه المراكز التي تستبطن خطاب الكراهية داخل الجنوب؟
الانتشار الانتقائي.. لماذا الجنوب فقط؟
الناشط الجنوبي طارق عبدالله يثير تساؤلاً محورياً: “لماذا تتركز هذه المراكز في محافظات الجنوب، ولا نجدها في المناطق اليمنية المحررة من مليشيات الحوثيين، في مأرب أو تعز أو المخا؟ أليس غريباً أن يطل وجه الله من نافذة الجنوب فقط؟”
أما الجحافي فيضيف بلهجة حادة: “من الأولى بالدعوة للجهاد ضد الحوثي: الجنوبي الذي داس أنف المشروع الحوثي وحرر أرضه بدماء أبنائه، أم من فر وترك الحوثي يسرح ويمرح في أرضه؟”
دعوة إلى موقف جنوبي حاسم
وسط هذا المشهد الملتبس، يوجه بن لغبر خطاباً مباشراً إلى السلفيين الجنوبيين: “نحبكم ونجلّكم، لكن عليكم أن تعلنوا موقفاً واضحاً من الفتاوى السياسية المستوردة، والعودة إلى مرجعية القرآن والسنة، لا إلى ولاءات عابرة للحدود”.
إنها دعوة إلى التمسك باستقلالية الفكر الجنوبي، ورفض أي وصاية تأتي عبر الدين أو عبر المال.
الجنوب عصيّ على الوصاية
الجنوب لم يكن يوماً بحاجة إلى وصاية من هاربين لم يثبتوا أمام الحوثي.
الخطر الحقيقي لا يكمن في وجود المراكز الدينية بحد ذاتها، بل في استغلالها السياسي لإعادة إنتاج الوصاية على مجتمع الجنوب.
وسيظل الجنوب، برغم كل محاولات الاختراق، أرض الدين والعقيدة الراسخة الصافية، عصياً على مشاريع الاستغلال والهيمنة، وقادراً على حماية وعيه من أي محاولة لإعادة تدوير الوصاية بأسماء وشعارات جديدة.