الأرض تتكلم جنوب العربي

بقلم / ماهر العبادي ابو رحيل
حين امتلأت الساحات عن آخرها، لم تعد الأرض مجرد مساحة تحت الأقدام، بل صارت لساناً ناطقاً، وصدراً واسعاً يحتضن أبناءه، وقلباً يخفق بإيقاع واحد في الجنوب العربي، لا تتجمّع الحشود عبثاً، ولا تلتقي الأجساد مصادفة إنما تتلاقى الأرواح حين تنادي الأرض أبناءها، فيلبّون النداء صفاً واحداً، كأنهم سطرٌ طويل كُتب بالحياة.
من علٍ، تبدو الجموع بحراً متلاطماً، غير أن أمواجه ليست فوضى، بل نظامٌ عجيب، تتداخل فيه الرايات كأنها شرايين، وتتحرّك الخطوات كنبضٍ واحد كل راية مرفوعة ليست قماشاً يرفرف، بل ذاكرة تُستعاد، وقَسَمٌ يُجدَّد، ووعدٌ لا يشيخ.
هنا، تتكلم الأرض، وتُترجم كلامها بأقدام ثابتة وصدورٍ مفتوحة.
تقول الأرض هنا الجنوب العربي
أنا التي شهدتُ مواسم الشدّة والرخاء، وأنا التي علّمتُ أهلي أن الكثرة إذا اجتمعت على الحق صارت قوة، وإذا التفت حول الكرامة غدت قدراً لا يرد.
هذه الحشود ليست عدداً يُحصى، بل معنى يُحسّ، وهيبةٌ تُرى، وصوتٌ يُسمع ولو سكتت الحناجر.
كم من يدٍ ارتفعت، لا تطلب سوى الاعتراف بالجذور، وكم من عينٍ لمحت في الأفق مستقبلاً يتّسع للجميع.
في هذا المشهد، تُختصر السنوات، وتُطوى المسافات، وتُمحى الفروق الصغيرة، فلا يبقى إلا اسم الأرض، ولا يُسمع إلا صداها وهي تقول: إن وحدتكم خلف قيادتكم السياسية ممثلة بالقائد الضرغام ابآ القاسم سرّ بقائي، وبقائي وعدكم.
الحشود هنا لا تُرهق المكان، بل تُحييه. الأرض التي طالما احتملت الخطى المتفرقة، تفرح اليوم بخطى متحدة تتنفس الساحات بعمق، وتبتسم الأرصفة، وتعلو الجدران بوهجٍ جديد، كأن التاريخ خرج من كتبه، ووقف شاهداً على لحظةٍ لا تُنسى.
وفي الجنوب العربي، للجموع لغةٌ خاصة؛ لغة الصبر الذي طال، والأمل الذي لم ينكسر. لغةٌ تُقال فيها الأشياء دون صراخ، وتُكتب فيها الرسائل دون حبر يكفي أن ترى العيون، لتدرك أن الأرض تتكلم من خلالها، وأنها وجدت من يسمعها أخيراً.
هكذا، حين تجتمع الحشود، لا يعود السؤال: كم عددهم؟ بل: ما الذي جمعهم؟ والجواب واحد، تنطقه الأرض قبل الناس: جمعهم الانتماء، وجمعتهم الكرامة، وجمعهم وعدٌ قديم بأن الجنوب ، إذا نطق، نطق بأهله، وإذا شهد، شهد بجموعه، وإذا مضى إلى الغد، مضى بهم جميعاً.
وستبقى الأرض تتكلم…
ما دامت الساحات عامرة،
والرايات عالية،
والقلوب على موعدٍ دائم مع النداء أعلان دوله الجنوب العربي.