حين نترك الرزق ونمضي إلى الوطن

عبدالواسع عبده الحميدي
أنا وصديقي مدين ، تركنا أعمالنا كما يخلع الإنسان ثوبه حين يشتد الحر ، أنا تركت الورشة ، تركت الكمانات واللحام ، الشرر الذي اعتدت أن أراه كل صباح ، وهو ترك المقاولات ، الحسابات ، الجداول ، الاسمنت ، الحديد ، تركنا كل شيء لأن الوطن نادانا.
حين جاءت دعوة الرئيس القائد عيدروس الزبيدي ، لم نحتج إلى شرح ، ولم نطلب مبررات ، هناك نداء لا يُسمع بالأذن ، بل بالقلب ، وحين يصل إلى القلب ، تسقط كل الأعذار.
توجهنا إلى ساحة العروض ، لا نحمل سوى حب ثقيل الوزن ، حب يجعل التعب خفيفا ، ويجعل الخوف يتراجع خطوة إلى الخلف ، في الطريق ، لم نفكر بما تركناه ، بل بما سنكسبه من كرامة وطن ، وصوت حق ، ووقفة تُكتب في سجل الرجال.
هناك ، وسط الحشود ، أدركنا أن الوطن لا يُحب بالكلمات ، بل بالمواقف ، لا يُنصر بالشعارات ، بل بالخطوة التي تخرجك من رزقك إلى مبدأك ، كنا عمّالا ، نعم ، لكننا قبل ذلك أبناء وطن ، وحين يتعارض العمل مع الواجب ، نختار الواجب بلا تردد ، لأن الرزق يُعوّض ، أما الوطن إن ضاع فلا يُعوّض.
ذهبنا إلى الساحة ، ليس لأننا نكره الحياة ، بل لأننا نحبها كما يجب ، نحبها حرة ، كريمة ، نحبها وطنا لا ينحني ، وهكذا وقفنا ، أنا وصديقي مدين ، شاهدين على لحظة صدق ، نقول فيها للتاريخ ، هنا تركنا أدواتنا ، وحملنا الوطن.