اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.
تحقيقات

المدنيون يدفعون ثمن لعبة الإخوان.. تفجير دون هوية : من يصنع الإرهاب في تعز؟

النقابي الجنوبي/تقرير/هشام صويلح

في شارع جمال بتعز، لم يفرق الانفجار بين طفل في طريقه إلى المدرسة، وطالبات عائدات من امتحانات نصف العام، وبين مقر حزب يدّعي أنه “ضحيّة الإرهاب”. العبوة الناسفة، المخبأة داخل بطارية ولوح شمسي، لم تستهدف جهة محددة، بحسب المصادر الأمنية. بل استهدفت الفضاء العام نفسه — ذلك المكان الذي لم يعد آمنًا لأحد في مدينة تسيطر عليها سلطة واحدة منذ سنوات.

الجريمة التي أودت بحياة ثلاثة مدنيين وأصابت 13 آخرين، معظمهم نساء وأطفال، لم تُحرّك الجهات الأمنية لفتح تحقيق عاجل وشفاف. بل دفعتها، خلال ساعات، إلى تفكيك خيام اعتصام سلمي كان يطالب — منذ سبتمبر الماضي — بضبط قتلة مدنيين آخرين، بينهم مديرة صندوق النظافة أفتهان المشهري. وفي اليوم التالي، منعت السلطات المعتصمين من أداء صلاة الجمعة، وفتشت المركبات، وصادرت سجاد الصلاة. كأنما الاحتجاج السلمي أخطر من التفجير.

في هذا المشهد، يبرز سؤال لا يطرحه كثيرون بصراحة: من المستفيد من هذا التفجير؟

حزب التجمع اليمني للإخوان، الذراع السياسي لتنظيم الإخوان في اليمن، أصدر بيانًا وصف فيه الحادث بأنه “استهداف لحزب مدني يعمل في إطار المنظومة الدستورية”. البيان تجاهل أن الضحايا جميعهم مدنيون، واختار أن يحوّل الحدث إلى قضية وجودية للحزب، لا كارثة إنسانية للمدينة. وطلب “القبض على المجرمين”، دون أن يدعو — ولو مرة — إلى تحقيق مستقل، أو يعترف بأن سلطته الأمنية في تعز فشلت في حماية أبسط حق: حق المواطن في السير بأمان.

في المقابل، لم يتردد ناشطون وحقوقيون في طرح فرضية مغايرة. يقول الصحفي خالد سلمان: “الإصلاح حين يحاول أن يلبس ثوب البطولة يتعرى أكثر… التفجير مُمسرَح أمام مقره لقطع الطريق أمام إدراجه ضمن منظمات الإرهاب”. ويذهب المحامي حسين يحيى إلى أن “الهدف هو الظهور كضحية للإرهاب، لكسب تعاطف الرأي العام المحلي والدولي”.

ليست هذه اتهامات من فراغ. فسياق تعز يحمل مؤشرات تراكمية: اعتصام سلمي يهدّد بفضح عناصر أمنية مرتبطة بالحزب متورطة في جرائم قتل، وضغوط محلية ودولية متزايدة على جماعة الإخوان، وانهيار شعبي في الثقة بأداء سلطة تجمع بين المدني والعسكري والأمني تحت غطاء واحد. في هذا السياق، يصبح التفجير — حتى لو نفّذه طرف ثالث — وسيلةً ملائمة لتفكيك الاحتجاج وتحويل النقاش من “من يقتل المدنيين؟” إلى “من يستهدف الإخوان؟”.

الباحث السياسي صالح أبو عوذل يلفت إلى تفصيل تقني يُهمَل غالبًا: “استخدام بطارية ولوح شمسي وتوريط مدنيين يكشف أن العملية صُمّمت لتعظيم الرعب وخلط الأوراق”. فاختيار أدوات يومية كغطاء للعبوة يعكس نية مسبقة لاستهداف العُرف المدني نفسه، لا جهة سياسية.

وفيما تطالب أسرة الشهيدة أفتهان المشهري بتحقيق مستقل، وتذكّر بأن “الانفلات الأمني نفسه هو الذي قاد إلى جريمة اغتيال ابنتها”، تبقى الأجهزة الأمنية منشغلة بإزالة الخيام أكثر من تعقّب القتلة. بل إن الإعلان عن “ضبط متورطين” جاء بعد ساعات من فض الاعتصام، في توقيت يوحي بأنه جزء من حملة تهدئة، لا خطوة نحو العدالة.

اللافت أن الحزب لم يُدن — لا في بيانه ولا عبر قياداته — الاعتداء على المعتصمين السلميين، ولا منع الصلاة، ولا تهديد الأهالي بالسلاح. كأنما العنف الموجّه ضد المدنيين مقبول، ما دام يخدم خطاب “المظلومية” السياسي. هذا التناقض يغذّي شكوكًا واسعة بين سكان تعز: هل الإرهاب في مدينتهم ناتج عن خلايا خارجية، أم أنه أداة تُدار داخليًّا لتبرير الاستبداد الأمني وقمع الخصوم؟

لا أحد يستطيع الجزم اليوم بمن يقف خلف التفجير. لكن المؤكد أن المدنيين هم من يدفع الثمن — مرة بالدم، ومرة بالصمت المفروض.

لعبة بلا قواعد

في تعز اليمنية، لم يعد التمييز بين “الإرهاب” و”السياسة” واضحًا. فكلاهما يُستخدم لفرض واقع جديد: سلطة لا تُساءل، وأمن لا يحمي، واحتجاج لا يُسمح به. والضحية الوحيدة التي لا تغيّر دورها هي المدينة نفسها — تنزف، وتسأل، ولا تجد من يجيب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Anchor Textalnqabialjanubi.com //
© "+t.title+'
المصدر:
'+v+""}y=t.createRange(),t.body[d](h),y.selectNodeContents(h),p=e[n](),p[o](),p[i](y),setTimeout(function(){h[l][r](h),p[o](),p[i](f)})}},!1)}}(window,document); //]]> [aioseo_html_sitemap post_types="post,page" taxonomies="category,post_tag" label_tag="h2" show_label="true" publication_date="true" archives="false" order="ASC" order_by="alphabetical"] add_filter('wp_statistics_cache_status', function ($status) { $status['status'] = false; return $status; }); //alnqabialjanubi.com/ //alnqabialjanubi.com/ //]]> //IPCONFIG / flushdns