اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.
تحقيقات

بن “بريك” يقر بالإفلاس.. حقيقة صادمة أم فصل جديد من لعبة السياسة؟

النقابي الجنوبي/خاص

تصريح رئيس الوزراء بأن “خزينة الدولة صفر” يثير موجة من التساؤلات والشكوك حول طبيعة المرحلة القادمة ومن يُدير فعليًا دفة السلطة

هل كان رئيس الوزراء “سالم بن بريك” جريئًا حين نطقها بكل وضوح: “خزينة الدولة صفر”؟ أم أنه ببساطة أدى دورًا مكتوبًا له بعناية في مشهد سياسي شديد التعقيد؟
تصريحه القصير، الذي بدأ في ظاهره تعبيرًا عن واقع اقتصادي كارثي، سرعان ما تحول إلى لغز سياسي شائك، تتقاطع فيه خيوط الاعتراف الصادم مع احتمالات “التبرئة المبطنة” أو الانخراط في فصل جديد من فصول لعبة السلطة في البلاد.

اعتراف يهز السقف السياسي لا المالي فقط

في سياق إعلامي مباشر، لم يُخفِ رئيس الوزراء حالة الإفلاس العام، قائلاً بوضوح إن “خزينة الدولة صفر”.
لكن خلف العبارة، انفجرت سلسلة من التحليلات: هل يُمثّل هذا الإعلان قمة الشفافية، أم تهيئة للرأي العام لانهيار قادم؟ هل أراد بن بريك أن يقول للناس: “أنا هنا ضحية لا شريك”؟
في كل الأحوال، لم يكن التصريح تقنيًا عن عجزٍ مالي، بل إعلانًا سياسيًا واضحًا عن غياب الموارد، وضياع القرار، وتجذّر المأزق.

المراقبون يصفونه بأنه اعتراف نادر بمدى الانهيار، لكنه أيضًا يعري عجز المنظومة الحاكمة عن تقديم البدائل، إذ لم يتبع التصريح أي خطة إنقاذ، ولا حتى إشارات إلى أن الحكومة تملك أدوات المعالجة.

توقيت مريب أم ضوء أخضر للانفجار؟

ما يثير القلق أكثر من فحوى التصريح هو توقيته: لماذا الآن؟ ولمصلحة من؟
ففي نظر كثيرين، يبدو أن بن “بريك” لم يختر التوقيت، بل اختير له. فالرجل وصل إلى رئاسة الحكومة في ظل ترتيبات سياسية لم يكن فيها صاحب القرار، وإنما جزءً من صفقة أوسع تُدار خارج إطار المؤسسات.
ويعتقد محللون أن هذا التصريح قد يكون بداية لسردية يراد تسويقها داخليًا وخارجيًا: “لسنا المسؤولين عن الإفلاس.. نحن فقط نُدير الأنقاض”.
لكن هل يقتنع الشارع بهذه الرواية؟ وهل ينجو من سيتبناها؟

الشارع لا يغفر.. والأسئلة تتكاثر

وسائل التواصل الاجتماعي اشتعلت فور التصريح.
مواطنون وناشطون تساءلوا:

إذا كان يعلم أن الخزينة خاوية، فلماذا قبل بالمهمة؟

ماذا أنجز خلال الفترة الماضية؟

هل التصريحات تكفي لإنقاذ شعب يئن تحت وطأة الانهيار؟

هذه الأسئلة تختصر مأزق رئيس الوزراء، وتضعه في خانة المتهم أكثر من كونه ناطقًا بالحقيقة. فالمزاج الشعبي اليوم متخم بالوعود الكاذبة، والتبريرات المتكررة، ولم يعد يقبل تحميل الماضي كل الفشل، خصوصًا دون أي رؤية للمستقبل.

حكومة بلا خطة أم سلطة بلا قرار؟

منذ تشكيل الحكومة، لم يلحظ المواطن أي تغيير يُذكر سوى في الأسماء والمناصب.
الخدمات تنهار، الأسعار ترتفع، الكهرباء تُقطع، والعملة تتهاوى، بينما الخطاب الحكومي لا يزال يدور حول “المرحلة الانتقالية” و”الإرث الثقيل”، دون تقديم خطط عملية أو جرأة في المواجهة.

وفي هذا السياق، يصبح تصريح بن بريك عن الإفلاس مجرد سطر في بيان طويل عن العجز، لا يفتح بابًا للحل، بل يُغلق نافذة الأمل الأخيرة، ويحوّل الحكومة إلى إدارة تصريف أزمات بلا أفق.

لعبة سياسية أم مؤامرة مكشوفة؟

التحليل الأعمق يذهب إلى أن التصريح ليس عفويًا، بل جزء من سيناريو مرسوم.
فربما أرادت مراكز القرار الفعلية أن يتلقى بن بريك الصدمة نيابة عنهم، تمهيدًا لمراحل أخرى من التغيير أو التملص من المسؤولية.
وربما جرى اختياره تحديدًا ليقول ما لا يستطيع غيره قوله، ثم يُسحب من المشهد لاحقًا حين يبدأ الغضب الشعبي بالتصاعد.

في هذه الحالة، لا يكون التصريح سوى فصل من مسرحية طويلة عنوانها: “تحريك الأوراق.. دون تغيير اللاعبين”.

من يدفع الثمن؟ المواطن الجنوبي وحده

في كل ذلك، يبقى المواطن الجنوبي هو المتضرر الأول.
فهو لا يملك رفاهية التحليل السياسي، بل يواجه الواقع يوميًا: انقطاع خدمات، فقر متصاعد، غلاء فاحش، وغياب للأمان.
وحين يسمع أن الدولة مفلسة، لا يُفكّر كثيرًا في خلفيات التصريح، بل في مستقبل أطفاله، وسقف منزله، ولقمة يومه.

النتيجة؟
الشارع يغلي.. لكنه مكبوت.
الناس تفقد الثقة.. لكنها لا تجد بديلاً.
والحكومة تصرح.. لكنها لا تتحرك.

الأسئلة تظل مفتوحة.. والأجوبة تُؤجَّل

في النهاية، يظل السؤال الأساسي:
هل كان بن “بريك” صادقًا في اعترافه؟ أم أنه مجرد أداة في لعبة أكبر منه؟
وهل تستطيع حكومته، أو أي حكومة في هذا السياق، أن تنتشل البلاد من الإفلاس؟
أم أن التصريح كان مجرد مقدمة لقرارات أكثر خطورة تُطبخ الآن في الظل؟

الشارع الجنوبي لن ينتظر طويلًا.
وما لم تتحول الاعترافات إلى أفعال، ستتجاوز الأسئلة حدود السياسة، لتصبح ثورة غضب لا توقفها التصريحات.
فمن لا يملك القرار.. لا يملك حق الصمت.
ومن لا يملك الخطة.. لا يملك شرعية البقاء.

زر الذهاب إلى الأعلى