د. عبدالرزاق البكري يوضح : ماتم ودار خلف الكواليس ضد التجارة والاستثمار والانتاج الجنوبي من قبل عصابة المحتل اليمني

كتب/ عبدالرزاق البكري
الهيمنة الاقتصادية: كيف احتكر اللوبي الشمالي الاستيراد والتصدير لخنق الجنوب؟
في مشهد يعكس سيطرة ممنهجة وخطة محكمة لإضعاف الجنوب اقتصاديًا، استطاع اللوبي الشمالي اليمني أن يفرض احتكاره على استيراد المواد الغذائية والسلع الأساسية، بينما يُمنع تجار الجنوب من ممارسة حقوقهم التجارية الطبيعية، سواء في الاستيراد أو التصدير، أو حتى في فتح المصانع والاستثمارات الإنتاجية داخل مناطقهم الجنوبية. إن ما يجري وقد جرى من التسعينات، ليس مجرد منافسة اقتصادية غير عادلة، بل هو حرب اقتصادية خبيثة تهدف إلى إبقاء الجنوب في حالة من التبعية والتجويع القسري، مما يؤدي إلى إضعاف قدرته على الاستقلال الاقتصادي والسياسي.
مخطط تدمير الاقتصاد الجنوبي: بين الأمس واليوم
ما يحدث اليوم ليس سوى امتداد لمخطط بدأ منذ اجتياح واحتلال الجنوب في التسعينيات، عندما جرى تدمير أكثر من 37 مصنعًا جنوبياً إنتاجيًا كانت تشكل العمود الفقري للاقتصاد الجنوبي. من بين هذه المصانع، كان هناك مصانع الطماطم والقطن ومصانع أخرى كانت توفر فرص العمل وتغطي احتياجات السوق المحلي. بعد الوحدة القسرية المشؤومة، لم تكتفِ القوى الشمالية بإغلاق هذه المصانع، بل عمدت إلى نهب أصولها وتحويل معداتها إلى الشمال، مما أدى إلى انهيار البنية التحتيةو الإنتاجية للجنوب.
الاحتكار الشمالي للاستيراد والتصدير: سياسة التجويع الاقتصادي
في ظل هذه الحرب الاقتصادية، مُنع تجار الجنوب من استيراد المواد الأساسية الضرورية وما زال، وأُجبروا على شراءها عبر وسطاء شماليين يتحكمون في الأسعار وفي تدفق السلع. هذه السياسة لم تقتصر فقط على الغذاء، بل شملت حتى مواد البناء والمستلزمات الصناعية، مما أدى إلى شلل شبه كامل في قطاع المقاولات والاستثمار الإنتاجي داخل الجنوب.
ولم يقتصر الأمر على الاحتكار فحسب، بل ترافقت هذه الإجراءات مع فرض قيود تعجيزية على أي محاولة لرجال الأعمال الجنوبيين لإنشاء مصانع أو مشاريع إنتاجية، في حين تُمنح الامتيازات والتسهيلات الواسعة لرجال الأعمال المرتبطين بلوبيات صنعاء، الذين يسيطرون على قطاعي الاستيراد والتصدير، ويحكمون قبضتهم على السوق بحماية من السلطة السياسية والمالية في الشمال.
تدمير الصناعة المحلية ومنع المشاريع الإنتاجية
منذ اجتياح الجنوب، لم تقتصر السياسات التدميرية على منع استيراد المواد الأولية، بل تم منع أي استثمار جنوبي في مشاريع إنتاجية، سواء كانت صغيرة أو كبيرة. حتى المشاريع الصناعية والمقاولات العامة لم تسلم من هذا الحصار الممنهج، حيث يتم عرقلة أي مشروع يهدف إلى إحياء الإنتاج المحلي الجنوبي.
على سبيل المثال، عندما يحاول رجل أعمال جنوبي فتح مصنع أو مشروع إنتاجي، يواجه سلسلة من العقبات تبدأ من منع حصوله على التراخيص اللازمة، مرورًا بتضييق الخناق المالي عبر البنوك، وانتهاءً بمنع وصول المواد الخام إليه. في المقابل، تُمنح هذه الامتيازات بشكل حصري لرجال الأعمال الشماليين، مما يجعل الجنوب مجرد سوق استهلاكي لا يمتلك القدرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي أو المنافسة في أي قطاع اقتصادي.
المقاومة الاقتصادية: خيار لا بد منه
في ظل هذه الحرب الاقتصادية، لم يعد أمام رجال الأعمال والتجار الجنوبيين سوى البحث عن طرق لمقاومة هذه الهيمنة الجائرة، سواء عبر تأسيس شبكات اقتصادية بديلة، أو عبر الضغط السياسي والدولي لكسر هذا الحصار الاقتصادي غير المعلن.
إن استمرار هذه السياسة الاحتكارية لن يؤدي إلا إلى مزيد من الفقر والتبعية داخل الجنوب، مما يجعل من الضروري التحرك لوقف هذا النزيف الاقتصادي وإعادة بناء اقتصاد جنوبي مستقل. إن تحرير الاقتصاد الجنوبي من الهيمنة الشمالية ليس مجرد مطلب اقتصادي، بل هو جزء من معركة استعادة الحقوق والسيادة الجنوبية، فلا اقتصاد بلا استقلال، ولا استقلال بلا اقتصاد قوي ومستقل.