استعادة الدولة.. مطلب غير قابل للنقاش

أبوناصر فانون السنيدي
لم تعد قضية الجنوب اليوم تحتمل المساومات أو الخضوع لدهاليز السياسة ومسايرة المشاريع المؤقتة، فاستعادة الدولة الجنوبية لم تعد خيارًا مطروحًا على طاولة التفاوض، بل باتت حقيقة راسخة وإرادة شعبية لا رجعة عنها، وحقًا سياسيًا وتاريخيًا لا يسقط بالتقادم.
منذ إعلان الوحدة في 1990، وما تبعها من أحداث جسام، أدرك الجنوبيون أن تلك الوحدة لم تكن شراكة حقيقية بين دولتين، بل كانت مشروعًا خديعًا سرعان ما انكشف وجهه القبيح في صيف 1994 حين شنّ نظام صنعاء حربًا شاملة على الجنوب، دمر المؤسسات، واحتل الأرض، ونهب الثروات، وصادر القرار، وحوّل الجنوب من دولة شريكة إلى تابع مكسور الإرادة ومجرد من السيادة.
كل ما تلا تلك الحرب من اتفاقيات وتسويات ومحاولات ترقيع، لم يكن سوى غطاء لاستمرار ذات النهج الاستعلائي والهيمنة السياسية والاقتصادية، التي جعلت الجنوب يعيش ثلاثة عقود من التهميش والنهب الممنهج والإقصاء من مؤسسات الدولة ومراكز القرار، لم تُبْنَ دولة موحدة، بل بُنيت سلطة الغلبة، وسقط مشروع الوحدة في أول اختبار أخلاقي وسياسي حين اختارت صنعاء السلاح بدل الحوار، والاحتلال بدل الشراكة.
ولم يتوقف العدوان عند ذلك الحد ففي عام 2015 أعاد نظام صنعاء بوجهه الجديد المتمثل في تحالف الحوثي وصالح الكرة مرة أخرى، عندما شن الغزو الثاني على الجنوب، متوهمًا أنه سيعيد إخضاعه مجددًا، إلا أن الجنوب هذه المرة كان مختلفًا، فقد خرجت المقاومة الجنوبية من كل المدن والقرى، وقدمت أروع صور البطولة، ودافعت عن الأرض والعرض حتى طهرت كامل تراب الجنوب من الغزاة، كان ذلك الغزو محطة فاصلة أثبتت أن الجنوب لا يُكسر مرتين، وأنه يملك الإرادة والشجاعة والعزيمة لاستعادة مجده ودولته مهما طال الزمن.
لذلك، فإن أي دعوة إلى طاولة حوار اليوم لا يمكن أن تكون ذات معنى ما لم يعترف الطرف الآخر صراحة بحق الشعب الجنوبي في استعادة دولته، ويقرّ بفشل مشروع الوحدة وبالخطأ التاريخي في غزو الجنوب عام 1994 وغزوه مجددًا عام 2015 وما ترتب عليه من جرائم وانتهاكات ونهب منظم للثروات وطمس للهوية وتدمير لمؤسسات الدولة.
الاعتراف أول الطريق نحو سلام عادل، فالحوار لا يُبنى على الإنكار، ولا يمكن أن يُثمر في ظل استمرار عقلية الوصاية والسيطرة، الجنوب اليوم لا يطلب المستحيل، بل يطالب بحقه المشروع في تقرير مصيره واستعادة دولته كاملة السيادة بحدود ما قبل 22 مايو 1990.
إن الجنوبيين أثبتوا على مدى سنوات نضالهم الطويل أنهم شعب يسعى للسلام، لكن سلامًا حقيقيًا يقوم على العدالة والندية والاحترام المتبادل، لا على الخضوع أو الإذلال، حينها فقط يمكن أن يجلس الجنوب على طاولة حوار كطرف ندّي متكافئ، لا كتابع ولا كمن يبحث عن فتات من سلطة ميتة.
إن استعادة الدولة ليست شعارًا سياسيًا، بل عقيدة وطنية راسخة في وجدان كل جنوبي حر، دفع من أجلها دماءً زكية وتضحيات جسام، وهي اليوم مطلب وطني جامع لكل الجنوبيين في الداخل والخارج، لا يقبل النقاش ولا التنازل ولا المساومة، فمن لم يعترف بحق الجنوب في دولته، لا مكان له على طاولة الحوار، لأن من خان الشراكة الأولى لا يمكن أن يكون شريكًا في المستقبل.
إننا نوجه رسالة صريحة إلى الشركاء الدوليين والإقليميين ودول الجوار،احذروا التلاعب بالقضية الجنوبية أو تجاوزها في أي تسويات سياسية قادمة.
فالقفز على حق الجنوب في استعادة دولته لن يجلب سلامًا ولا استقرارًا، لا في اليمن ولا في المنطقة بأسرها.
لن يكون هناك سلام دائم ولا أمن إقليمي مستقر ما لم يُنصف الجنوب بحل عادل وشامل يعيد إليه دولته وقراره وسيادته.
تجاهل هذه الحقيقة هو تجاهل لجوهر الأزمة، وفتحٌ لباب صراعٍ طويل لن يربح فيه أحد