اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

تـأخر الرواتـب.. أزمة خانقة تقطع شـريان الـحياة عن آلاف الأسر

 

النقابي الجنوبي/خاص

تعيش العاصمة عدن وغيرها من محافظات الجنوب أزمة متفاقمة جراء تأخر صرف رواتب المعلمين، لتتحول هذه الأزمة إلى كابوس يومي يخنق الأسر ويضعها أمام تحديات معيشية صعبة.

فعلى الرغم من ثبات أسعار الصرف للعملة الأجنبية نسبياً، إلا أن أزمة الرواتب ما تزال تشكل عائقاً ثقيلاً أمام أبسط الاحتياجات اليومية، حيث يدخل المعلمون شهرهم الرابع بلا رواتب، فيما تتراكم الهموم والالتزامات على كاهلهم، ومع ضالة المرتبات أصلاً يجد كثير من التربويين أنفسهم عاجزين عن توفير لقمة العيش لأبنائهم، لاسيما أن طبيعة عملهم لا تمنحهم فرصة لمزاولة أعمال إضافية تسندهم في مواجهة هذا الوضع الاقتصادي الخانق.

أزمات اقتصادية وأهالي تشتكي

أزمة الراتب تنتشل الأسر من بقاع الهدوء إلى بقاع الديون والايجارات المتراكمة، فأغلب الأسر تعتمد على الرواتب لتسديد الديون أو القروض البسيطة وحرمانهم منها أي عرقلة تامة للإتزان المعيشي والإقتصادي، ودفع بعضهم إلى حرمان أطفالهم من الدراسة أو توفير أبسط الاحتياجات.

وتتحدث الأستاذة علوية عزاني عن الأوضاع الاقتصادية التي تمر على المعلمين كأسوأ وقت مر على الإطلاق، فأصبح المعلم في حالة لا يرثى لها حيث أصبح أبسط الأشياء والاحتياجات لا يستطيع توفيرها لأسرته، فكرامة المعلم اجهضت حيث أصبح لا حيله له أمام أهله.
واضافت، أن المعلم الذي ربى أجيال وخرج على يدة العديد من الشخصيات المهمة ولم يبخل عن كونه ساهم بدور كبير في بناء المجتمع أصبح اليوم منسي بأبسط حقوقه.

وتتابع، المعلم الذي يُفترض أن يكون القدوة أصبح اليوم في موقف لا يُحسد عليه، يضطر أن يستدين من الجيران أو المحلات، بينما حقوقه الأساسية غائبة، لم نعد نطالب بالكماليات فقط، بل بحقنا في الحياة.

وضع معيشي متدهور

مع استمرار أزمة الرواتب، يزداد وضع المعلمين صعوبة يوماً بعد آخر، حيث يجدون أنفسهم أمام تحديات معيشية قاسية تهدد استقرار أسرهم وحياتهم اليومية.

وتساءلت الأستاذة ربيعة أبو بكرة، عن أي وضع يمكن أن نتحدث؟ نحن المعلمون نعيش على رواتبنا، فلماذا لا يتم التفكير بما نأكله ونشربه خلال هذه الأشهر التي انقطع فيها الراتب؟

وأضافت، أغلب الموظفين الذين توقفت رواتبهم يعيشون على وجبة واحدة في اليوم فقط، وهو ما انعكس على حالتهم النفسية وأدخل كثيرًا منهم في دائرة القلق والخوف من القادم.

بين تهميش وتجويع

في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة التي يمر بها المواطنون، يظل المعلم الحلقة الأضعف بين تجويع وتهميش، يعيش معاناة مستمرة بسبب تأخر الرواتب وتراكم الالتزامات، حتى بات صوته مبحوحاً بالمطالبة بأبسط حقوقه التي غابت طويلاً.

وفي السياق ذاته، أكدت الأستاذة رحمة السحم أن الوضع بات لا يُحتمل ولا يُعقل نتيجة تراكم الضغوط والهموم على عامة الشعب وموظفي القطاع العام، وعلى المعلمين على وجه الخصوص.

وأضافت: لقد أصبح الجميع دون استثناء يدور في فلك الفقر والديون والهموم بسبب الرواتب المتأخرة. كنا في السابق نطالب بزيادة الرواتب لأنّها بالكاد تكفي قوت اليوم وإيجار المنازل ومصاريف التعليم، أما اليوم فقد انحدر بنا الحال لنطالب بعودة الرواتب المفقودة، مهما كانت ضئيلة أو عديمة الجدوى، سبحان الله مغير الأحوال.

واختتمت حديثها بالقول: يستوقفني بيت شعر يمدح فيه الشاعر مكانة المعلم، فأقارنه بواقعنا المرير حيث جُوّع وهمِّش وأُهين المعلم في بلدي:

لولا المعلّم ما قرأت كتاباً
يوماً ولا خطّت يدي الأقلاما
فبفضله حلّقت في جوّ الفضاء
وبعلمه قد أشرق الظلاما
لك الله يا معلم ومعلمة بلدي.

الأجر المفقود.. كيف تهدد الرواتب المتأخرة حياة الأسر؟

انعكست أزمة تأخر الرواتب بشكل مباشر على حياة الأسر التي تعتمد كلياً على دخل المعلم كمصدر وحيد للمعيشة، فالكثير من العائلات غرقت في دوامة الديون وعجزت عن دفع الإيجارات أو توفير احتياجاتها الأساسية من غذاء ودواء وملبس، واضطرت بعض الأسر إلى تقليص نفقاتها بشكل حاد، حتى وصل الأمر إلى الاكتفاء بوجبة واحدة في اليوم، بينما حُرم أطفال آخرون من مواصلة تعليمهم أو الحصول على مستلزمات مدرسية بسيطة، هذا الوضع المأساوي أدخل الأسر في حالة من القلق الدائم والاضطراب النفسي، وألقى بظلاله الثقيلة على استقرارها الاجتماعي، ليصبح غياب الراتب شرياناً مقطوعاً يهدد كيان العائلة ويزيد معاناتها يوماً بعد آخر.

أسر مهددة بفقدان منازلها المستأجرة

بات الواقع المعيشي في وضع مزرٍ ومخيف، يهدد أرواح الناس ويضاعف معاناتهم، سواء كانوا موظفي الدولة أو من عامة المواطنين.

وتصف منى يسلم الجعيدي، إحدى الموظفات في القطاع الصحي حال الكوادر قائلة: نتألم لما وصلنا إليه اليوم، حيث لم يعد الموظف قادراً على تلبية أبسط احتياجات أسرته، بعدما غلب الفقر والديون على أحواله.

وتقول، أن بعض الموظفين أصبحوا مهددين من قبل ملاك المنازل بسبب تراكم الإيجارات، الأمر الذي زاد من ضيقهم المعيشي، ووضعهم أمام واقع مرير يقترب من حد الفقر والحاجة.

أوضاع معيشية صعبة

في خضم الأوضاع الاقتصادية والسياسية الصعبة التي تمر بها البلاد، يبرز ملف تأخر صرف رواتب موظفي القطاع الحكومي للشهر الرابع على التوالي كقضية إنسانية واقتصادية ملحة تتطلب حلولاً جذرية وفورية.

وفي ذات السياق، أكدت الإعلامية سحر عبد الكريم ،أن هذا التأخير لم يعد مجرد مسألة إدارية عابرة، بل تحوّل إلى أزمة معيشية تضغط بقوة على حياة مئات الآلاف من الأسر وتهدد النسيج الاجتماعي.

وأوضحت، أن الإفراج عن الرواتب ليس تفضلاً أو منحة يمكن تأجيلها بل هو حق دستوري وواجب أخلاقي وظيفي واستمرار هذا التأخير يقوض الثقة بين المواطن والدولة وإن تبرير التأخير بالصعوبات المالية، رغم واقعيتها، لا يعفي الحكومة من واجبها في البحث عن آليات تمويل مستدامة وعاجلة أو إعادة ترتيب الأولويات لضمان صرف مستحقات الموظفين.

وإضافت، يجب على الحكومة التعامل مع هذه الأزمة من منظور أمن قومي واجتماعي، فاستقرار المجتمع يبدأ من استقرار دخل الأسرة ، يمكننا القول إن أي حلول أو معالجات اقتصادية لن تكتمل ولن تُثمر ما لم يتم وضع ملف الرواتب على رأس الأجندة ومعالجته بشكل نهائي يضمن انتظام الصرف دون انقطاع مستقبلاً.

ونطالب الحكومة بوضع خطة طوارئ مالية شفافة ومعلنة للإفراج الفوري عن الرواتب المتأخرة، وتعهد واضح بآلية صرف منتظمة للأشهر القادمة لإنقاذ مئات الآلاف من الأسر من الجوع والتشرد، لضمان استمرار عمل مؤسسات الدولة.

آراء الإعلاميين والنشطاء

أعرب ناشطون عبر منصات التواصل الإجتماعي عن استيائهم وغضبهم من استمرار أزمة الرواتب، معتبرين أن ما يحدث يعكس تهميشاً واضحاً لمعلمي البلاد الذين هم العمود الفقري للتعليم وبناء الأجيال، كل يوم يمر دون صرف الرواتب هو يوم يُهدر فيه مستقبل الأطفال، ويزداد فيه وقع المعاناة على الأسر.

وأكد ناشطون أن الحل يجب أن يكون عاجلاً وشاملاً، مع ضمان انتظام صرف الرواتب بشكل دوري وتوفير الدعم للأسر المتضررة، محذرين من أن استمرار التأخير سيؤدي إلى أزمة تعليمية واجتماعية أكبر على المدى الطويل.

خاتمة

تظل أزمة تأخر الرواتب صورة حية لمعاناة آلاف الأسر التي تعتمد على دخلها اليومي، حيث تتحول الحياة إلى صراع مستمر بين تلبية الاحتياجات الأساسية والحفاظ على كرامة الإنسان. وبينما يئن المجتمع تحت وطأة هذه الأزمة، يبقى الأمل معلقاً في حلول عاجلة تعيد الحقوق لأصحابها، وتعيد الاستقرار للأسرة والمجتمع، فالاستجابة الفورية ليست مجرد واجب، بل ضرورة لحماية المستقبل وضمان استمرار التعليم وتحقيق العدالة الاجتماعية.

زر الذهاب إلى الأعلى