اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

الفصل الرابع: ما بين الطاولة والصفحة الافتراضية

 

كتب/  بسمة نصر

 

 

مـــِْن رواية: ☟تٌَحَـتْ☟ الطاولة

كانت الساعة الثانية بعد منتصف الليل حين وصلني خبر غير متوقع من المدير:

– “هل أنتِ مرتاحة في عملك”.

أجبته على الفور:

– “نعم، ولكن… لو أن المحل يُفتح صباحا لكان أفضل. أنت تدفع إيجارا قدره 750 دولارا، ومع ذلك لا تُستغل ساعات النهار، حيث يكون المكسب أوفر”.

 

توقف لثوانٍ، وكأن كلماتي وضعت ثقلاً على صمته، ثم قال:

– “سأفكر بالأمر، لكن أحتاج بعض الوقت”.

 

قلت بلا تردد:

– “لا بأس، لكنني سأبحث عن عمل صباحي آخر حتى تستقر على قرارك”.

 

فاجأني برده:

–لا داعي. كم ستأخذين؟ سأدفع لك أنا

 

ابتسمت رغم شعوري بالدهشة والوحدة، وأجبته:

– “هذا لا أقبله. العمل نفسه أفضل لي من مجرد أجر بلا جهد”.

 

قال عندها مبتسما:

– ما رأيك أن تكوني “أدمن” في مجموعة واتساب وصفحة للتواصل الاجتماعي؟ تعملين من البيت، وسأدفع لك ضعف أجر الدوام الصباحي، وأجرا آخر المسائي.

 

كانت الفكرة جديدة ومثيرة. أحب الكتابة والعمل الرقمي، وفورًا وافقت دون تردد. ومنذ اليوم ذاته، أضافني كمديرة لمجموعات البيع ومنحني صلاحيات كاملة على حسابات إنستغرام وسناب شات.

 

في صباح اليوم التالي، بدأ الروتين الجديد: استلام صور البضاعة، صياغة منشورات كأنني أحرر خبرا صحفيا تسويقيا، نشرها للمتابعين، ومتابعة التفاعل مع كل تعليق ورسالة.

 

قبل أن أضغط على “نشر”، كان قلبي يتسارع أحيانًا. أتخيل تعليقات المتابعين، هل ستعجبهم الكلمات؟ هل ستصل الرسالة بشكل صحيح؟ كانت هذه اللحظات الصغيرة من القلق تمنحني شعورا حيا بالمسؤولية، لكنها كانت أيضا مثيرة.

 

لكن هدوء البداية لم يدم طويلا.

إحدى الزميلات اكتشفت أنني أصبحت “أدمن”، وما إن وصلها الخبر حتى زمجرت بغضب، ثم توجهت للمدير مطالبة بنفس الوظيفة. ولدهشتي، قال لها بكل بساطة: “حسنا”.

 

لم يكن الصراع على الوظيفة نفسها، بل على الجو النفسي الذي يحيط بها. ففي كل مرة أحرر منشورًا أو أخط إعلانًا، كانت تمرّ بجانبي وتزمجر بغضب. استمر هذا أسبوعا كاملا، حتى قال لي المدير يوما:

– “خففي قليلًا من المنشورات، ( أ ) تشتكي بأنك تنشرين كثيرا ولا تردين على العملاء”.

 

ابتسمت بهدوء، لكنني كنت أعلم أن وراء الكلمات تكمن غيرة مختبئة، واضحة في كل نظرة وتصرف، صاخبة رغم صمتها الظاهر.

في الوقت ذاته، وصلتني رسائل مجهولة على حساب العمل. أرقام غريبة ترسل كلمات مستفزة، تهدف إلى زعزعة ثقتي، وكأنهم يختبرون صبري وقوتي الداخلية.

كنت أقرأ الرسائل، أشعر بالغضب ثم أتنفس بعمق، أختار ردي بعناية. كنت أرد بكل حزم، أضع كل كلمة في موضعها، وأوقفهم عند حدودهم. وكل مرة أتمكن من إسكات أحد المتطفلين، شعرت بانتصار داخلي، وكأنني أخوض معركة صغيرة وأخرج منها منتصرة.

 

ردود الفعل من المتابعين: تعليق يشكرني على وضوح الإعلان، رسالة تسأل عن توفر منتج، وإشارات صغيرة تشعرني أن عملي له أثر مباشر. كل هذه التفاصيل الصغيرة كانت تجعل قلبي ينبض بالحيوية، وكأن العالم الرقمي أصبح ميدانا جديدا للتحدي والإنجاز.

 

 

“تحت الطاولة لم يكن العمل مجرد بيع وشراء، بل كان صراعا آخر… صراعا بين الطموح والغيرة، بين القلق قبل النشر والانتصار بعده، بين الكلمة الحرة والرسالة المؤلمة، بين من يرى فيك تهديدا ومن يراك فرصة”…

زر الذهاب إلى الأعلى