تريم تتحدى القمع.. احتجاجات جنوبية تكشف خريطة الصراع في وادي حضرموت

النقابي الجنوبي/تقرير/خاص
في مشهد يعيد الذاكرة إلى محطات فارقة من مسيرة المقاومة الجنوبية، تحولت مدينة تريم الحضرمية إلى ساحة احتجاجات سلمية واسعة سرعان ما قوبلت برد عسكري عنيف من قبل قوات الاحتلال اليمني المتمثلة بالمنطقة العسكرية الأولى في وادي حضرموت.
ما بدأ كمطالب خدمية ومعيشية أساسية – من الكهرباء إلى تحسين البنية التحتية – تطور سريعًا إلى مواجهة دامية، بعد أن لجأت القوات اليمنية لاستخدام الأسلحة الخفيفة والمتوسطة ضد متظاهرين عُزّل، مما أوقع شهداء وجرحى وأشعل موجة غضب شعبي متصاعدة.
من المطلب المعيشي إلى الرفض السياسي
يرى شهود وناشطون أن تعامل قوات الاحتلال لم يكن رد فعل انفعاليًا، بل رسالة سياسية صريحة تؤكد رفض أي تحدٍ لوجودها، حتى وإن جاء في شكل احتجاج سلمي. لكن هذه الرسالة ارتدت عكسيًا، إذ تحولت الشعارات إلى رموز مقاومة عابرة للمناطق، أبرزها “تريم ترفض الاحتلال اليمني”، لتجد صدى واسعًا في مختلف محافظات الجنوب.
جذور الغضب الحضرمي
تريم، بتاريخها الثقافي العريق، تحمل إرثًا من المظالم منذ الغزو اليمني للجنوب في 1994، شمل التهميش، نهب الثروات، حرمان الخدمات، والاعتقالات التعسفية. تراكم هذه الانتهاكات صنع بيئة متأهبة للاشتعال، وجعل الاحتجاج الحالي يتجاوز الرفض الاقتصادي إلى رفض شامل للوجود العسكري اليمني في وادي وصحراء حضرموت.
شبكة مصالح معقدة
تشير مصادر محلية إلى أن مكونات سياسية – بقيادة بن حبريش – تدعي الدفاع عن حضرموت بينما ترتبط بعلاقات وثيقة مع تنظيم الإخوان المسلمين والحوثيين، تقدم دعمًا مباشرًا للمنطقة العسكرية الأولى. ويتهم ناشطون هذه الشبكة بالمشاركة في تهريب السلاح والموارد الاستراتيجية من سلطنة عُمان عبر صحارى حضرموت وصولًا لمليشيات الحوثيين، ما يربط القمع المحلي بمخطط إقليمي أوسع يهدد أمن المنطقة.
تضامن جنوبي متصاعد
الاحتجاجات لم تبق محلية، بل امتدت أصداؤها من عدن إلى المهرة، مع بيانات ومواقف تؤكد وحدة الموقف الجنوبي. مشاركة النساء والأطفال في الصفوف الأمامية للاحتجاحات شكلت دلالة على عمق الالتزام الشعبي، فيما تتزايد الدعوات لتوثيق الانتهاكات ورفعها إلى منظمات حقوقية دولية لكسر الصمت الخارجي.
نحو مواجهة فاصلة
مع انتقال الاحتجاجات إلى مدن أخرى في وادي حضرموت، تتبلور مطالب بإخراج قوات المنطقة العسكرية الأولى وإسناد الأمن لقوات النخبة الحضرمية، التي تُعد نموذجًا ناجحًا في مناطق الساحل. لكن السؤال يبقى: هل تكون تريم الشرارة التي تنهي الوجود العسكري اليمني في الوادي، أم أن التحالفات المناهضة لمشروع الجنوب ستسعى لإخمادها؟
مهما كانت الإجابة، فإن الدماء التي سالت في شوارع تريم باتت جزءًا من مسار لا رجعة فيه، حيث تتحول المدينة إلى عنوان لمواجهة جديدة على طريق التحرير الجنوبي.