اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

“الاحتلال الاقتصادي الشمالي للجنوب: حين يصبح القوت سلاحا والسيادة مرهونة للمال”

 

بقلم: د. عبدالرزاق عبدالله أحمد البكري.

باحث سياسي وأكاديمي

 

لقد طفح الكيل وبلغ السيل الزبى، ولم يعد الصمت فضيلة ولا الصبر حكمة، بعدما تمادى لوبي التجار الشماليين في إذلال شعب الجنوب، وفرض وصايتهم على التجارة والاقتصاد والاستيراد، وكأن الجنوب مزرعة خلفية لمطامعهم، وسوق مفتوح لاحتكارهم، ومرتعٌ لهيمنتهم العابرة للحدود والمبادئ.

 

أولاً: الاحتلال الاقتصادي المقنَّع

 

منذ عام 1994، وما بعد اجتياح الجنوب عسكرياً، لم يكن السلاح وحده وسيلة السيطرة، بل كانت التجارة، والمال، والاقتصاد هي الأكثر فتكاً، والأشد تدميراً. لقد تم تدمير (38 مصنعًا ومؤسسة إنتاجية جنوبية)، كانت تمثل عصب الاقتصاد الجنوبي، من الصناعات الغذائية والنسيجية، إلى مصانع الإسمنت والمياه والطماطم والمشروبات. واللحوم والاسماك .. كلها جرى إفراغها، نهبها، أو خصخصتها قسرًا، وتحويلها لصالح شركات شمالية أو تجار محسوبين على منظومة الاحتلال.

 

لقد تم اغتيال الإنتاج المحلي الجنوبي بدم بارد، حتى لا يكون للجنوب اكتفاء ذاتي ولا استقلال اقتصادي، بل يتم تحويله إلى سوق استهلاكي خاضع لتجار الشمال، الذين يتحكمون اليوم بكل مناحي التجارة الداخلية والخارجية، من الاستيراد حتى توزيع البضائع، من الدواء إلى الدقيق، ومن السكر إلى الوقود!

 

ثانيًا: الهيمنة على الاستيراد والتجويع الممنهج

 

ما يجري اليوم ليس مجرد احتكار تجاري، بل سياسة خبيثة وممنهجة للتجويع والإذلال. تُمنع الشركات الجنوبية من الاستيراد، يُعطَّل المستثمرون الجنوبيون، يُطارد من يبني مصنعًا أو يستورد شحنة مواد غذائية، بينما الاستيراد محتكر في يد قلة شمالية، يتحكمون بالسوق من عدن إلى حضرموت، ومن سقطرى إلى المهرة.

 

والمفارقة المخزية أن هؤلاء التجار الشماليين يعيشون على تراب الجنوب، ويتربّحون من خيراته، لكنهم يستخدمون قوت الشعب كسلاح ضغط. يقول لسان حالهم: “إما أن ترضخوا لأسعارنا، أو نحرمكم من القوت الضروري.” إنه الابتزاز الغذائي، والتهديد بمعيشة الناس، واللعب على أوتار الحاجة والفقر في وطن محتل اقتصاديًا.

 

ثالثًا: لماذا كل هذا الاستهداف للجنوب؟

 

لأن الجنوب، إن تحرر اقتصاديًا، تحرر سياسيًا وعسكريًا. يدرك لوبي الشمال أن فقدانهم للسيطرة على التجارة يعني نهاية هيمنتهم، وانكشاف عوراتهم، وانطلاق مشروع الدولة الجنوبية الحرة. ولهذا، يمنعون التجار الجنوبيين من الاستيراد، ويغلقون الأبواب في وجوه المستثمرين، بل ويحاربون كل مبادرة لبناء اقتصاد جنوبي مستقل.

 

رابعًا: متى تعي القيادة هذا الخطر؟

 

الاحتلال الاقتصادي أخطر من الحوثي، لأنه عدو داخلي يعيش بيننا، يستنزفنا من الداخل، يخنقنا بلقمة العيش. إن التراخي في مواجهة هذا الخطر جريمة، والتعامي عنه خيانة. إننا نطالب قيادة الجنوب بأن تعي أن السيادة تبدأ من السيطرة على الاقتصاد، وعلى القرار التجاري، وعلى ميناء عدن  وموانيه السيادية بعيد عن هيمنة لوبي الشمال، يستخدم موانينا بمبالغ اقل من الرمزية ببلاش، بينما يبيع منتجاته التي تمر عبر مياهنا وموانينا واراضينا للشماليين باسعار منخفضة افضل من اسعار في الجنوب الذين  احتووه ، هل بعد هذا استخفاف وتجبر وقطرسة.

 

خامسًا: خطوات المواجهة المطلوبة فورًا.

 

1. فتح باب الاستيراد للتجار الجنوبيين، وإلغاء القيود المفروضة من لوبي الشمال.

 

2. إعادة تشغيل المصانع الجنوبية، وتعويض ما دمر منها، وتشجيع الصناعة الوطنية.

 

3. سن قوانين اقتصادية تحصر التصدير والاستيراد بالجنوب عبر شركات وطنية جنوبية.

 

4. تأسيس بنك جنوبي استثماري يدعم المشاريع التجارية والصناعية بعيدًا عن عبث الشماليين.

 

5. مراجعة عقود الشركات الشمالية، وعلى رأسها شركات هائل سعيد أنعم، التي تسيطر على الغذاء والدواء وتمارس أبشع صور الاحتكار والاستغلال.

 

6. تشجيع الاستثمار الجنوبي، وتوفير الحماية القانونية للمستثمرين الجنوبيين من الابتزاز والمضايقات.

 

أخيرًا: كفى عبثًا.. فالمؤمن لا يُلدغ من الجحر مرتين…

 

لقد جُرب هؤلاء، وتكررت طعناتهم، وما عادت الشعارات تنفع، ولا الخطب تشفع. آن الأوان أن نقول لهم: إلى مزبلة التاريخ. الجنوب لن يُحكم بلقمة عيشه، ولن يُركَع بالسوق والتجارة، ولا بد من ثورة اقتصادية جنوبية تقتلع هذا اللوبي من جذوره، وتعيد القرار التجاري والسيادي إلى أهله، فـلا حرية سياسية دون استقلال اقتصادي.

 

ولقيادتنا نقول: لا يكفي محاربة الحوثي في الشمال، بل يجب اجتثاث سرطان الهيمنة الاقتصادية من الجنوب، وإلا فإن الجنوب سيظل محتلاً.. وإن اختلفت الرايات.

زر الذهاب إلى الأعلى