إيران تفعل حكومة الحرب.. “مجلس دفاع وطني” يوزّع السلطة بين العسكر والمدنيين

الخطوة تأتي استنادا إلى المادة 176 من الدستور بعد الحرب مع إسرائيل، وسط ترجيحات بتوزيع الأدوار بين لاريجاني وأحمديان داخل هيكل أمني مزدوج.
النقابي الجنوبي/ تقرير/ السميفع
وسط تداعيات الحرب الإسرائيلية، الإيرانية، أعلنت طهران عن تأسيس مجلس الدفاع الوطني كفرع جديد للمجلس الأعلى للأمن القومي، مستندة إلى المادة 176 من الدستور، في خطوة تُعيد تنظيم مراكز القرار العسكري والسياسي استعدادًا لأي مواجهات مستقبلية.
يتخذ النظام السياسي في إيران منعطفا جديدًا بعد اندلاع الحرب الإسرائيلية–الإيرانية في 13 يونيو 2025، حيث أعلنت طهران عن تشكيل مجلس الدفاع الوطني، كهيئة فرعية ضمن هياكل المجلس الأعلى للأمن القومي. الخطوة التي تأتي بعد أسابيع فقط من انتهاء المعارك، تُنذر بإعادة تموضع استراتيجي في مراكز القيادة العسكرية والسياسية، وسط إشارات إلى استحداث جناحين منفصلين داخل المؤسسة العليا للأمن: جناح سياسي يقوده مدنيون، وآخر عسكري يتولى المهام العملياتية والدفاعية.
بحسب المادة 176 من الدستور الإيراني، يملك المجلس الأعلى للأمن القومي صلاحية إنشاء مجالس فرعية مثل مجلس الدفاع ومجلس الأمن القومي، بما يتناسب مع واجباته. وتُسند رئاسة هذه المجالس إلى رئيس الجمهورية أو أحد الأعضاء بمرسوم منه، وتُحدد صلاحياتها وفق القانون وتحت إشراف المجلس الأعلى.
من هو مجلس الدفاع؟ ومن يحكمه؟
وفقًا لتقارير صحف محلية كـ آرمان امروز وفرارو، فإن التركيبة المتوقعة لمجلس الدفاع الوطني تضم شخصيات عسكرية رفيعة، أبرزها القائد العام للحرس الثوري، ورئيس أركان القوات المسلحة، وقائد الجيش، إلى جانب ممثلين عن وزارة الدفاع والاستخبارات. إلا أن القيد الدستوري واضح: لا يمكن أن يتولى رئاسة المجلس سوى عضو في الجمعية العامة للمجلس الأعلى، ما يستبعد القادة العسكريين إذا لم يكونوا أعضاء أصليين.
في هذا السياق، تتصاعد التكهنات بتوزيع الأدوار بين شخصيتين بارزتين في المشهد الإيراني: علي لاريجاني، الذي يُرجّح أن يتولى الأمانة العامة للمجلس الأعلى للأمن القومي، وعلي أكبر أحمديان، الأمين الحالي، الذي قد يُكلّف برئاسة مجلس الدفاع الوطني.
التقارير تؤكد أن لاريجاني، بصفته مدنيًا ذا خلفية برلمانية وتجربة في الملف النووي، هو المرشح الأوفر حظًا لقيادة الجناح السياسي في المجلس الأعلى، ما يعكس ميلاً رسميًا للفصل بين القرار السياسي والدفاعي، مع الاحتفاظ بخيط تنسيقي عبر الجمعية العامة.
هل هو تشكيل جديد؟ أم عودة قديمة بثوب الحرب؟
يرى المحلل الإيراني علي بيكدلي أن إنشاء هذا المجلس ليس طارئًا ولا مفاجئًا، بل يمثل إعادة إحياء لكيان سابق كان فاعلًا خلال الحرب العراقية–الإيرانية، ثم تم حله بعد انتهاء الحرب. ويؤكد في حديثه لصحيفة فرهيختكان أن تشكيل مجلس مماثل يُعد ممارسة طبيعية في الدول التي تواجه حروبًا مباشرة أو تهديدات متصاعدة.
ويضيف بيكدلي أن اختيار شخصيات مثل لاريجاني يُعد رسالة تهدئة، لكونه شخصية عقلانية تُجيد إدارة ملفات التفاوض والدبلوماسية، بينما يبقى جناح أحمديان محصورًا في الفضاء العملياتي العسكري، بعيدًا عن التعقيدات السياسية.
بنية ثنائية أم مركزية جديدة؟
اللافت في الهيكلية الناشئة هو محاولة توزيع الصلاحيات بطريقة تحاكي “حكومة حرب مصغرة”، حيث تُناط المهام السياسية بمدنيين ضمن المجلس الأعلى، بينما تُدار العمليات الدفاعية عبر مجلس مستقل يُعنى بالاستراتيجيات والتكتيكات العسكرية، مع بقاء التنسيق تحت المظلة الدستورية للمادة 176.
هذا التقسيم يعكس إدراكًا إيرانيًا لحجم التحديات المستجدة، داخليًا وخارجيًا، بعد الحرب المباشرة مع إسرائيل، والتي أعادت رسم خرائط الاصطفاف الأمني في الإقليم، خاصة في ظل الصمت الدولي والتفاعل المحدود مع الأزمة.
ماذا بعد الحرب؟
المراقبون يرون أن طهران تتجه نحو تحصين جبهتها الداخلية وتثبيت آليات القيادة الموحدة استعدادًا لسيناريوهات أكثر تعقيدًا. إنشاء مجلس الدفاع الوطني لا يُقرأ بمعزل عن التوترات المستمرة مع إسرائيل، ولا عن الضغوط المتزايدة على الحرس الثوري ودوره في الداخل والخارج.
فمن خلال هذه البنية، تسعى إيران لاحتواء التداخل بين القرار السياسي والعسكري، وضمان السيطرة المركزية على المسار الأمني، دون أن يتغوّل أحد الجناحين على الآخر. لكنها في المقابل، تفتح الباب لتنافس ناعم بين أجنحة النظام، خاصة إذا طُبقت الخطوة بعيدًا عن التنسيق الحقيقي.