اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.
اخبار وتقارير

الإخوان تحت المجهر الفرنسي: إجراءات جديدة لحماية وحدة المجتمع

 

النقابي الجنوبي / خاص

في تحرك يعبّر عن تصاعد القلق داخل أروقة الحكم الفرنسي من محاولات اختراق المجتمع ومؤسساته من قبل جماعات الإسلام السياسي، اتجهت الدولة الفرنسية نحو اعتماد حزمة إجراءات صارمة تستهدف الحد من نفوذ جماعة الإخوان المسلمين، وسط تأكيدات رسمية بأن هذه الإجراءات لا تستهدف الجالية المسلمة، بل تحصّنها من الاستغلال والتهميش.

وجاء التحرك الأحدث من خلال اجتماع لمجلس الدفاع والأمن القومي الفرنسي مطلع يوليو الجاري، ترأسه الرئيس إيمانويل ماكرون، لبحث سبل التصدي لما وصفه بـ”الاختراق الإخواني” لمؤسسات الدولة، وهو اختراق يرى فيه التيار اليميني فرصة للهجوم على الحكومة، معتبرًا أن المقترحات السابقة “أدنى من مستوى خطورة الوقائع”، وفق ما جاء في تقرير رسمي أثار قلقًا بالغًا في الدوائر الأمنية.

إجراءات جديدة… وتوبيخ سابق

وكان ماكرون قد طلب في وقت سابق من حكومته إعداد “مقترحات جديدة” لمواجهة هذا التهديد، وذلك عقب اجتماع مماثل عُقد في مايو، شهد – وفق مصادر مطلعة – توبيخًا حادًا للوزراء بسبب ما اعتُبر تراخيًا في التعامل مع القضية.

وأوضح مجيد بودن، الخبير القانوني ورئيس جمعية المحامين في القانون الدولي بباريس، أن الاجتماع الأخير ركّز على سبل تفكيك الشبكات المتطرفة، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، انطلاقًا من استراتيجية متكاملة تشمل الرقابة المالية والتشريعية، وتهدف لحماية التماسك الوطني دون استهداف ديني أو عرقي.

وأكد بودن أن الدولة الفرنسية تسعى لإحباط محاولات بعض الجماعات عزل الجاليات المسلمة واستغلالها سياسيًا، وهو ما يشكل خطورة مضاعفة على شباب تلك الجاليات، عبر دفعهم إلى هامش المجتمع وتغذيتهم بخطابات مغلقة تُنتج تطرفًا مضادًا.

تحليل أمني ومراقبة مشددة

التقرير الأمني الذي نوقش في الاجتماع استعرض معطيات وزارية متعددة حول أنشطة جمعيات محسوبة على جماعة الإخوان، والتي وصفها التقرير بأنها تتحالف – في بعض الحالات – مع جماعات قومية متطرفة، تعمل عبر التغلغل الثقافي والاقتصادي لزعزعة تماسك المجتمع الفرنسي من الداخل.

ويشير بودن إلى أن الإجراءات المقترحة تركز على عدة محاور:

– تشديد الرقابة على التحويلات المالية المشبوهة إلى جمعيات محددة.

– منح السلطات صلاحية المصادرة في حال ثبوت دعم أنشطة تهدد السلم المجتمعي أو تنشر خطابًا متطرفًا.

– سن تشريعات جديدة لحل الجمعيات التي تنتهك أسس التعايش.

– إخضاع هذه الكيانات لمراقبة إدارية وقانونية بإشراف قضائي مباشر.

وتأتي هذه الإجراءات في إطار استراتيجية فرنسية لمحاصرة “العمل التحتي” الذي تمارسه تلك الجمعيات، عبر شبكة مؤسسات تعليمية وخيرية وإعلامية، تتغلغل في نسيج المجتمع وتنشط في الهوامش حيث تكون الرقابة أضعف.

المسلمون في قلب الهوية الوطنية

رغم النبرة الحازمة في الإجراءات، إلا أن السلطات الفرنسية سعت إلى التأكيد على أن المستهدف ليس المسلمون كجالية، بل مجموعات صغيرة تسعى لتأطيرهم في دوائر مغلقة. وقد شدّد بودن على أن الجالية الفرنسية من أصول مسلمة “تحت حماية الدولة” وليست موضوعة في “دائرة الاتهام”، بل هي جزء أساسي من النسيج الوطني.

في هذا السياق، قال بودن إن محاولات تحويل الجالية المسلمة إلى “كيان مغلق” يضر بالمجتمع كله، ويضاعف من فرص التمييز وسوء الفهم، خصوصًا في أوساط الشباب، مضيفًا أن الدولة الفرنسية لن تسمح لأي جهة داخلية أو خارجية أن توظّف المسلمين لخدمة مشاريع إيديولوجية تهدد وحدة البلاد.

قراءة في المشهد السياسي

المبادرة الفرنسية تأتي أيضًا في لحظة سياسية دقيقة، حيث تستعد البلاد لجولة جديدة من التوترات الانتخابية، ويصعد فيها الخطاب اليميني الذي يلوّح دومًا بورقة “الإسلام السياسي” كتهديد داخلي. ويبدو أن الرئيس ماكرون يسعى إلى سحب هذه الورقة من يد خصومه عبر إجراءات صارمة، لكنه في الوقت ذاته حريص على ضبط الخطاب الرسمي، لتفادي الانزلاق نحو شيطنة جماعية تضر بالتماسك الداخلي.

التحرك إذًا، هو مزيج من الاعتبارات الأمنية والسياسية والاجتماعية، ضمن معادلة معقّدة تحاول فيها الدولة الفرنسية تحقيق توازن بين محاربة التطرف من جهة، والحفاظ على التنوع المجتمعي من جهة أخرى، في ظل بيئة داخلية مشحونة وخارجية لا تخلو من التحديات.

زر الذهاب إلى الأعلى