إيران والملف النووي: تصعيد مفتوح بانتظار صفقة مستحيلة

النقابي الجنوبي/تقرير/إعداد: السميفع
في ظل غياب أي اتفاق نووي حاسم مع إيران، وتصاعد التوترات بعد الحرب الخاطفة بين طهران وتل أبيب، تبدو المنطقة على حافة تحول استراتيجي خطير قد يُعيد صياغة معادلات الردع الإقليمي لعقود قادمة. فبحسب مجلة “ذا ناشيونال إنترست” الأمريكية، لم يعد سيناريو التسوية السياسية وحده كافيًا لاحتواء الانزلاق المحتمل، بل باتت كل الأطراف تراهن على القوة ولو من موقع المفاوض.
تراجع التعاون الدولي ومخاوف الانسحاب من NPT
في تطور يوصف بالمفصلي، أعلنت إيران وقف تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية مطلع يوليو الجاري، ما فُسّر على نطاق واسع بأنه تمهيد عملي للخروج من معاهدة حظر الانتشار النووي، رغم عدم إعلان ذلك رسميًا. وتعتبر طهران أن استمرار الرقابة لم يجلب ضمانات كافية لاحترام سيادتها أو تخفيف العقوبات، مما يدفعها لإعادة النظر في علاقتها مع المنظومة الدولية، خصوصًا في ظل التصعيد العسكري الإسرائيلي.
الردع التقليدي يتآكل: مرحلة ما بعد 7 أكتوبر
ترى المجلة الأمريكية أن البنية الردعية التي سادت في الشرق الأوسط لسنوات لم تعد قائمة بعد تاريخ 7 أكتوبر 2023. ومع غياب قواعد الاشتباك المتعارف عليها، يصبح خطر سوء التقدير أكثر واقعية. الهجوم الأمريكي الإسرائيلي المشترك في يونيو 2025 أعاد خلط الأوراق، لكنه فشل – بحسب التقرير – في كسر إرادة النظام الإيراني، بل تسبب في تعبئة داخلية واسعة اعتبرت أن الهجوم استهدف إيران الدولة، لا فقط النظام.
ترامب: اتفاق من موقع القوّة
رغم استخدامه المستمر لورقة التهديد العسكري، لا يُخفي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رغبته في العودة إلى طاولة التفاوض، وإن من موقع القوّة. يتقاطع هذا التوجه مع رؤية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يدفع باتجاه استراتيجية تُفضي في النهاية إلى تغيير النظام في طهران، أو على الأقل، تقويض قدراته النووية. في المقابل، تراهن واشنطن على تكثيف الضغط دون التورط في حرب شاملة، على أمل انتزاع تنازلات دون دفع أثمان سياسية داخلية.
لعبة الغموض الإيراني: تهديد مدروس أم مناورة دبلوماسية؟
إيران من جانبها تمارس سياسة “الغموض النووي” بحرفية. فهي من جهة ترفض التعاون الكامل مع الوكالة الدولية، ومن جهة أخرى تعرض العودة إلى المفاوضات بشروط، ما يتيح لها مساحة دبلوماسية تناور بها الأطراف الدولية. لكن هذا الغموض، وفق “ذا ناشيونال إنترست”، يُفاقم هشاشة الوضع، ويجعل من أي خطأ حسابي مدخلاً لحرب لا يمكن التنبؤ بنتائجها.
بين الحرب والاتفاق: خطر العودة إلى “الحرب الأبدية”
تشير المجلة إلى أن فشل المفاوضات المقبلة أو تعثرها سيدفع تل أبيب إلى تصعيد عسكري جديد، بدعم ضمني من ترامب، الذي لم يُبدِ اعتراضًا على الهجمات السابقة، بل قد يراها ورقة ضغط لتحقيق صفقة دولية على طريقته. هذا السيناريو قد يُغري طهران بتسريع إنتاج السلاح النووي أو الانسحاب رسميًا من معاهدة حظر الانتشار، وهو تطور من شأنه إغراق المنطقة في “حرب لا تنتهي”، على حد وصف المجلة.
ضربة يونيو… ووحدة الداخل الإيراني
واحدة من أبرز المفارقات، أن الهجوم العسكري الأخير لم يُضعف موقف النظام الإيراني، بل عزز تماسك الداخل، بحسب المجلة. فقد اتسعت دوائر التضامن الداخلي، لا دفاعًا عن السلطة، بل عن “إيران الوطن”، ما يجعل من سياسات الضربات المحدودة أداة غير مجدية، بل محفزًا مضادًا يُعزز خيارات التشدد.
عودة التفاوض: السبيل الوحيد للنجاة من الانفجار
مع هذه الخلفية المعقّدة، لا ترى “ذا ناشيونال إنترست” أمام إدارة ترامب سوى خيار وحيد: العودة الجادة إلى طاولة المفاوضات، وتقديم رؤية توازن بين الضغط والضمانات. فالرئيس الأمريكي، الطامح لتثبيت صورته كـ”صانع صفقات”، ما زال يمتلك فرصة لإثبات مصداقيته في ملف نووي بالغ التعقيد، لكن تلك المصداقية تبقى، بحسب المجلة، معلّقة في انتظار خطوة واقعية لا تعتمد فقط على القوة بل على الدبلوماسية الاستباقية.