علي محمد سيقلي: المهرة.. خاصرة الجنوب الرخوة ومرتع الاختراقات العمانية

علي محمد سيقلي: المهرة.. خاصرة الجنوب الرخوة ومرتع الاختراقات العمانية
علي محمد سيقلي
من قال إن الحرب تقف عند خطوط النار في الضالع، أو يافع، أو أبين، فهو لم يقرأ جيدًا جغرافيا المعركة، ففي أقصى الشرق الجنوبي، حيث تترامى المهرة على بوابة سلطنة عمان، تشتعل جبهة أخرى بصمت، بلا دوي مدافع، ولكنها أخطر وأعمق تأثيراً، إنها جبهة الاختراقات الأمنية العمانية التي تنخر جسد المهرة وتستهدف النسيج الوطني الجنوبي بكل وقاحة واستعلاء.
لسنوات، سوّقت سلطنة عمان لنفسها كـ”وسيط نزيه” و”جار هادئ”، بينما كانت تدير من خلف الستار ملف المهرة بذكاء استخباراتي يحسدها عليه الإيرانيون أنفسهم.
ومع مرور الوقت، لم تعد السلطنة تكتفي بالتهريب والدعم اللوجستي، بل تحولت إلى راعٍ رسمي لشبكات تهريب السلاح، وتمويل التحركات المشبوهة التي تصب في خدمة الحوثي، مستخدمة المهرّة كمنصة خلفية لزعزعة استقرار الجنوب وابتزاز التحالف.
في وضح النهار، ووسط صمت شبه رسمي، تسرّبت إلى المهرة عناصر حوثية بواجهات مختلفة: ناشطون، إعلاميون، موظفون إغاثيون، وحتى رجال أعمال، أو مرضى لتلقي العلاج، تحت أعين بعض الأجهزة المرتبكة أو المتواطئة.
يتحركون بأريحية، يُمولون أنشطة تحريضية، وينسجون شبكة ولاءات قبلية، بينما تُشحن الأسلحة والمعدّات من خلف الحدود في شاحنات “مساعدات إنسانية”.
كم من قافلة سلاح مرّت من شحن وصرفيت، عبر طرق ملتوية إلى البيضاء والجوف دون أن يرف جفن؟ كم من صاروخ إيراني المنشأ وصل إلى صنعاء عبر المهرة تحت غطاء “تجارة التونة”؟ كل ذلك بتسهيلات مدفوعة الثمن من سلطنة عمان، وعبر ممرات ظلت خارج السيطرة لسنوات، بفعل حالة “اللاقرار” التي فرضها غياب الإرادة السياسية لضبط هذا الملف الحساس.
وهنا يطرح السؤال الأهم، أين التحالف العربي؟ ولماذا يترك خاصرة الجنوب رخوة بهذا الشكل الفاضح؟ المهرة اليوم لم تعد مجرد محافظة بعيدة عن صخب الحرب، بل أرض معركة استخباراتية ساخنة، فيها تتقاطع مصالح عمان وإيران والحوثي، ويُدار فيها مشروع تقسيم الجنوب بصمت وتواطؤ دولي.
إجراءات احترازية مطلوبة.. قبل فوات الأوان
أولًا: إعادة انتشار القوات الجنوبية في النقاط والمنافذ البرية والبحرية، وتمكين النخبة المهرية من إدارة الملف الأمني بلا وصاية أو تهميش.
ثانيًا: فضح التدخل العماني عبر ملفات موثقة وتقديمها للمنظمات الدولية، ومخاطبة الأمم المتحدة بشأن استخدام الأراضي العمانية لدعم جماعة صنفتها أمريكا إرهابية.
ثالثًا: إنشاء غرفة استخبارات مشتركة جنوبية ترصد التحركات المشبوهة وتضبط إيقاع الأمن المهرّي، وتفكك شبكات التجسس والدعم المالي القادمة من خارج الحدود.
رابعًا: تحريك الشارع المهري الجنوبي ليكون جزءًا من معركة الوعي والمواجهة، ضد مشروع اختطاف المحافظة وتحويلها إلى رهينة لأجندات عمانية-حوثية.
المهرة ليست خارج خارطة الحرب يا سادة، بل في قلبها. والسكوت عن اختراقها هو خيانة للمشروع الوطني الجنوبي، وإن لم تتحرك النخبة السياسية الجنوبية الآن، فإننا سنصحو يوماً على “حوثستان” شرقية بملامح عمانية وقرار إيراني صرف، حينها لن ينفع الندم