زومبي بَرلمانِي لحصر من بقي مِنَّا على قيْد الحياة

زومبي بَرلمانِي لحصر من بقي مِنَّا على قيْد الحياة
علي محمد سيقلي
في بلادٍ تتقاطع فيها الأحلام مع الفواتير غير المدفوعة، وتنجز فيها الوعود بنفس سرعة حرب الخدمات القذرة، قرّر مجلس النواب المهاجر أن يرسل لجانًا ميدانية لتفقد المؤسسات الحكومية.
يا ساتر.. من أين جاءوا بهذه “القرحة الثورجية” فجأة؟
مجلسٌ قضى أكثر من عقدٍ في سُباتٍ برلماني عميق، أعضاؤه منتشرون على خريطة الشتات كأنهم مندوبو مبيعات لشركة طيران اليمنية.
فجأة يستيقظ فريق سلطان البركاني، ليقرروا النزول والتفقد.
هذا ليس خبرًا رسميًا، بل فقرة من مسلسل خيال سياسي بركاني خبيث، من إنتاج لصوص الغفلة في المهجر وتمويل البنك المركزي بالدولار المريح.
أعضاء لجاننا الموقرون يشبهون “الحمام الزاجل”، يظهرون بعد غياب، لا يحملون خبراً ولا حلاً، ثم يختفون بلا أثر، وكأنهم اكتفوا بشم هواء الوطن عن بعد.
كلهم يسكنون في قارات لا تشكو من عسر الخدمات، ويقضون يومهم في قراءة تقارير الوطن المغلوب على أمره بنفس الحماس الذي يقرأون به كشف حساب أجرهم الحرام الذي يتقاضونه وهم لا يعملون.
نحن أمام ظاهرة غريبة، مسؤولون يشكلون لجانًا وهمية لتفقد مؤسسات افتراضية في وطن يتعاملون معه كما يتعامل السائح مع معبد أثري. التقاط صورة سريعة لإثبات أنهم على قيد الحياة، ثم العودة إلى مطار المغادرة.
ليقال فقط. “لقد كنا هناك في مهمة صعبة ومعقدة”
هل يعقل أن يراقب المهاجر المقيم؟ وأن يُحاسب الغائب الحاضر؟
،يا أيها البركاني، يا من ترسل لجان التفقد من على سرير المشيخة، أو شرفة قصرك، لدينا سؤال بريء:
هل تعرف اسماء مدراء مؤسسة الكهرباء في شبوة/ أبين/ لحج / عدن؟
هل سبق وشرح لك أحدهم كيف يعمل العداد؟
هل قطعت عنك المياه يومًا؟
هل انتظرت ساعة كاملة في طابور طويل لتعبئة “الغاز المنزلي”؟
ألا يكفي أنكم تستلمون رواتبكم بالدولار دون انقطاع، وتحوّلونها بانتظام إلى حساباتكم في الخارج، بينما يُحرم المعلم داخل الوطن من راتبه لأشهر، وربما لسنوات؟
وبين كل هذا العبث، كان المواطن البسيط يتمنى فقط جلسة برلمانية واحدة، لا لمناقشة اللجان، ولا لتشكيل أخرى، بل لمجرد أن تُساووا رواتبكم برواتب المواطنين، وتعيشوا مثلهم، إسوةً بهم.
لكن يبدو أن العدالة التي تنادون بها لا تشمل “العملة الصعبة”.
تخيّلوا معي، لجنة رقابة قادمة من عاصمة لا تمت للوطن بصلة، ببدلات أنيقة، وأجهزة لوحية، تسأل موظفًا عن أداء المرفق الفلاني، بينما لا تعرف هي حتى أين يقع هذا المرفق على الخريطة.
هذه ليست لجان نزول، هذه نزوات موسمية.
ليست متابعة، بل إحساس عابر بالواجب، قبل العودة إلى تذاكر السفر المفتوحة.
وربما فقط لإثبات “نشاط” على حسابات السفريات، وبدل المواصلات.
ولو كانت هناك جائزة لـ “أطول غياب مع أجر”، لفاز بها البرلمان اليمني بلا منازع.
ولو كانت هناك مسابقة لـ “لجنة نازلة بدون نية رجوع”، لحصلنا على المركز الأول إقليميًا.
لكن لا بأس، فالشعب سيتابع باهتمام.
سيلتقط الصور، ويصفّق، ثم يعود لانتظار لجنة أخرى، قادمة هذه المرة من لصوص يشبهونكم، وما أكثرهم من الهم على القلب.
أما أنتم، فاستمروا في تشكيل اللجان،
فالتشكيل فن، والتنفيذ مجرد إحياء للمثل القائل. “حمار ميت ومجلسه قائم”.
والله أننا لسنا بحاجة للجان صرف أموال بغير وجه حق، بل نحن بحاجة إلى لجنة تفقدٍ تفتشنا من عبثكم، لا إلى من لم يسرّه فينا شيءٌ يومًا، ولم تمسه شمس البلاد إلا عبر صور ومحادثات وفضائح الواتساب.
ونصيحتي لشخصكم الكريه، وفّروا تكاليف المقترح الغبي، وادفعوا بها مرتبات المعلّمين.
حاسبوا من يستلم راتبه بالعملة الصعبة وهو لا يعمل. وبالأدق، حاسبوا أنفسكم أولًا.
وسلامة الرأس فائدة.
الأحد 6/7/2025