7 يوليو .. سقوط الشراكة وولادة الاحتلال.. والجنوب لا ينسى

النقابي الجنوبي/تقرير/هشام صويلح
تحلّ ذكرى السابع من يوليو وسط تأملات جنوبية لا تخلو من الألم والوعي، فهي لا تمثل مجرد تاريخ لاجتياح عسكري جرى في عام 1994م، بل تعتبره النخب السياسية والثقافية الجنوبية نقطة مفصلية سقطت فيها الشراكة، وانتهت خلالها الوحدة فعليًا، ليبدأ فصل طويل من الاحتلال والاستحواذ والاستلاب.
لقد تحوّل هذا اليوم إلى مرآة مكثفة لتاريخ معقد، رسمت خطوطه أنظمة متعاقبة في صنعاء، بدءًا من تحالفات الداخل الجنوبي في مطلع التسعينات، ومرورًا بالحروب المتلاحقة، وصولًا إلى واقع سياسي جديد يتشكل في الجنوب، عنوانه “التحرر والسيادة”.
سبعة يوليو.. إعلان نهاية الشراكة
في السابع من يوليو 1994، أسدل الستار عن حلم الوحدة الطوعية، بعد أن اكتملت السيطرة العسكرية لقوات صنعاء على عدن، منهية بذلك حربًا استمرت أكثر من سبعين يومًا. ويصف د. ناصر الخبجي ذلك اليوم بـ”الاحتلال الكامل الأركان”، الذي جاء بتحالف عسكري – ديني – قبلي، أطاح بكل الأسس التي قامت عليها الوحدة، وحوّل الجنوب إلى ساحة للنهب والانتهاكات وتصفية الهوية.أما الصحفي هاني مسهور، فيرى أن ما جرى لم يكن فقط اجتياحًا عسكريًا، بل لحظة سقوط أخلاقي وإنساني، حيث استُخدمت الفتاوى الدينية لتبرير الحرب، وتم تكفير شعب بأكمله. وأضاف أن الاعتراف بالجريمة هو المدخل الحقيقي للعدالة.
النهب والتهميش.. أوجه الاحتلال المتعدد
بعد الاجتياح، بدأت مرحلة ممنهجة من إقصاء الجنوبيين، كما يوضح د. وليد الماس، الذي عدد أبرز ما ترتب على الاجتياح: تسريح عشرات الآلاف من الموظفين، حل المؤسسات العسكرية الجنوبية، السيطرة على الموارد، وإقصاء متعمد من مراكز القرار، إلى جانب تدمير الهوية السياسية والثقافية.
هذه الوقائع شكلت، بحسب الأكاديميين والناشطين، وجهًا آخر للاحتلال، تجسد في إعادة تشكيل الجنوب وفق مقاييس صنعاء، وتحويل مؤسسات الدولة إلى أدوات للنهب وفرض الهيمنة.
من الغزو العسكري إلى الغزو الناعم
ورغم مرور أكثر من ثلاثة عقود، يؤكد كتاب جنوبيون أن أدوات الاحتلال لم تتغير، بل تطورت بأقنعة جديدة، تشمل استغلال الخلافات، وتمويل الانقسامات، وإعادة إنتاج مشاريع التبعية بشعارات ناعمة. ويرى عبدالرقيب السنيدي أن الجنوب لا يزال يتعرض لمؤامرات محكمة، تحاول تفكيكه وإغراقه في دوامة صراعات داخلية، عبر أدوات سياسية ودينية وإعلامية متعددة.
ويضيف أن “العدو لم يتراجع، بل يتشكل كل مرة بوجه مختلف”
ذاكرة لا تموت.. والنضال مستمر
لم تكن ردة الفعل الجنوبية على الاجتياح محصورة في السرد العاطفي، بل تحولت إلى حراك وطني متصاعد. فقد انطلقت منذ 1994م أولى شرارات المقاومة، وتبلورت في 2007م مع انطلاق الحراك السلمي، ثم شهد الجنوب تحولًا نوعيًا في 2015م عندما تصدت المقاومة الجنوبية للمليشيات الحوثية، ونجحت في تحرير أغلب أراضي الجنوب.
ويرى د. صدام عبدالله أن هذا النضال لم يكن لحظة عابرة، بل مسارًا متكاملًا توج بتأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي، كإطار سياسي منظم يعبر عن تطلعات الجنوبيين نحو استعادة دولتهم.
ويؤكد د. الخبجي أن “الجنوب تغيّر ولن يُهزم مرتين، ولن يُفرض عليه وحدة بالسلاح أو الوصاية”، داعيًا إلى حل عادل يقوم على دولتين متكافئتين، برعاية إقليمية ودولية.
إرادة التحرير.. بين الحلم والواقع
تتفق الأقلام الجنوبية على أن طريق الاستقلال ليس مفروشًا بالشعارات، بل يتطلب وحدة الصف، وتجاوز الخلافات، وبناء مؤسسات جنوبية قوية. فكما يقول محمد باتيس، لم يعد الجنوب قضية مؤجلة، بل شرطًا لأي تسوية عادلة في اليمن، وأي تجاهل لإرادته سيؤدي إلى استمرار الأزمة.
أما الكاتبة هند العمودي فتذهب إلى التأكيد أن الوحدة انتهت منذ أول رصاصة في حرب 1994، وأن الاحتلال المستمر تحت مسميات سياسية هو جوهر المشكلة، وأن الشعب الجنوبي لا ينسى تاريخه، ولا يتنازل عن هويته.
خلاصة المشهد
في الذكرى الـ31 لاجتياح الجنوب، تترسخ قناعة عامة لدى مختلف القوى الجنوبية، أن السابع من يوليو لم يكن نهاية وطن، بل بداية معركة طويلة من أجل استعادته. لقد دفعت الأجيال المتعاقبة أثمانًا باهظة، والذاكرة الجنوبية لا تزال مفتوحة على جراح الماضي، لكن المؤشرات الراهنة تدفع نحو واقع جديد قوامه الإصرار على التحرير، وتجاوز مشاريع الهيمنة، وترسيخ مبدأ “لا وحدة بالإكراه، ولا شراكة تحت الاحتلال”.
وإذا كانت الحرب قد فرضت واقعًا سياسيًا بالقوة، فإن الوعي الجنوبي المتراكم أثبت أن الشعوب لا تُهزم إلا حين تتخلى عن ذاكرتها. واليوم، لم يعد الجنوبيون يكتفون بتأبين الذكرى، بل يحولونها إلى منصة للمطالبة بالحق، وميدان لتأكيد حضورهم السياسي، وسط معادلات محلية وإقليمية تتغير، لكن الثابت فيها هو أن الجنوب لم يعد قابلاً للارتهان، ولا صالحًا للضم القسري من جديد.