بن مبارك يرحل وبن بريك يفضح أزمة الشرعية: استقالة أم إقالة؟

بن مبارك يرحل وبن بريك يفضح أزمة الشرعية: استقالة أم إقالة؟
النقابي الجنوبي/تقرير: هشام صويلح/خاص
في مشهد غلب عليه الغموض والتناقضات، أعلن رئيس الوزراء اليمني الأسبق أحمد عوض بن مبارك، يوم السبت 3 مايو 2025، استقالته رسميًا من رئاسة الحكومة عبر حسابه الشخصي في منصة “إكس”، مؤكدًا أنه التقى برئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، وسلّمه الاستقالة، متمنيًا التوفيق لمن يخلفه. غير أن الجدل السياسي والقانوني لم يتأخر في التصاعد، بعدما تبيّن أن قرار تعيين خلفه، سالم بن بريك، صدر فعليًا في الأول من مايو، أي قبل إعلان الاستقالة بيومين، ما يثير تساؤلات محورية: هل كانت استقالة فعلية أم إقالة مضمَرة؟
خلفيات دستورية وقانونية: متى تكون الاستقالة إقالة؟
وفقًا لعدد من خبراء القانون الدستوري، فإن المادة (129) من الدستور اليمني تمنح الرئيس الحق في “إقالة رئيس مجلس الوزراء بناءً على مبررات تتعلق بالمصلحة العامة”، فيما تنص المادة (131) على أن “استقالة رئيس الوزراء أو استقالة الحكومة تُقدَّم إلى رئيس الجمهورية، ويترتب على قبولها اعتبار الحكومة مستقيلة”.
بموجب هذا الإطار، تصبح الإقالة فعلًا رئاسيًا مباشرًا يعكس عدم رضى القيادة العليا عن أداء الحكومة، وغالبًا ما يكون مرتبطًا بتقارير فشل إداري أو ضغوط سياسية داخلية أو خارجية، أو صراع مع مراكز قوى داخل السلطة. أما الاستقالة، فتفترض مبادرة ذاتية من رئيس الحكومة تعكس عجزًا عن الاستمرار لأسباب شخصية أو موضوعية، وغالبًا ما تعني فشلًا في تنفيذ الإصلاحات أو مواجهة الفساد.
وفي الحالتين، تُعدّ الحكومة “مستقيلة” ويتطلب الأمر تكليف رئيس وزراء جديد وتشكيل حكومة جديدة، غير أن الفرق الجوهري يكمن في ما إذا كانت الحكومة ستتابع تصريف الأعمال حتى تعيين خليفتها، وهو ما يرتبط مباشرة بظروف مغادرة رئيسها.
بين النصوص والتوقيت: الإقالة المقنّعة
المثير أن قرار تعيين سالم بن بريك رئيسًا للوزراء صدر بتاريخ 1 مايو، بينما أعلن بن مبارك استقالته يوم 3 مايو، دون أن يذكر في منشوره تاريخًا محددًا للاستقالة، سوى أن التوقيع المرفق بالوثيقة المؤرشفة كان بتاريخ 1 مايو، وهو ما يفسره قانونيون على أنه محاولة لحفظ ماء الوجه من قبل بن مبارك، مقابل ترتيب مسبق لعزله فعليًا.
يؤكد أحد أساتذة القانون الدستوري في جامعة عدن أن “الإقالة المغلفة بالاستقالة تُستخدم عادة في الأنظمة السياسية الهشة لتمرير التغيير دون إثارة صدامات داخل السلطة، خصوصًا حين يكون هنالك توازن هش بين القوى داخل الدولة”. ويضيف أن ما حدث يعكس أزمة أكبر في الشرعية الدستورية والسياسية في البلاد.
ما وراء الكواليس: تسريبات تكشف صراعًا على القرار
مصادر سياسية مطلعة كشفت أن استقالة بن مبارك لم تكن وليدة لحظة، بل جاءت نتيجة تراكمات داخل مجلس القيادة الرئاسي، بعد أن اصطدم بمحاولات تقليص صلاحياته وتجميد قراراته في ملفات حيوية مثل الإصلاحات المالية وهيكلة الدعم العام ومكافحة الفساد. ويُرجح أن التغيير جاء بضغط من أطراف نافذة داخل المجلس كانت تخشى من تحركات بن مبارك التي بدأت تلامس مصالحها، لاسيما في ملفات الفساد المرتبط بالدعم الخارجي ورواتب المسؤولين خاصة من هم بالخارج.
وتشير التسريبات إلى أن الخلافات داخل المجلس باتت حادة، خصوصًا بين من يدفع نحو الإصلاح المالي والإداري، ومن يتمسك باستمرار المنظومة الحالية التي تستفيد من اقتصاد الحرب.
أداء متراجع وحكومة بلا صلاحيات
حكومة بن مبارك، خلال الفترة الماضية، واجهت انهيارًا شبه شامل في الخدمات، وعلى رأسها الكهرباء، إلى جانب التدهور الحاد في سعر العملة. ورغم محاولاته لإطلاق إصلاحات، إلا أن غياب التمكين المؤسسي والصراع داخل أروقة الشرعية أعاق قدرته على تنفيذ أجندته.
كما أن الإحباط تصاعد في الأوساط الشعبية جرّاء عجز الحكومة عن مواجهة التحديات الاقتصادية والمعيشية، ما جعل من استقالته – أو إقالته – نتيجة منطقية لضغط الرأي العام، وغياب الدعم السياسي.
رئيس جديد ومهمة ثقيلة
تعيين سالم بن بريك، الذي شغل سابقًا منصب وزير المالية، جاء في توقيت حساس، وسط أزمة اقتصادية خانقة، وغياب شبه تام للخدمات الأساسية في مناطق سيطرة الشرعية. ورغم أن بن بريك لم يدلِ بتصريحات مفصلة بعد تعيينه، إلا أن الأوساط السياسية تتوقع أن يواجه تحديات غير مسبوقة، أبرزها إنقاذ المالية العامة، وإعادة ضبط الإنفاق، والتعامل مع منظومة إدارية مترهلة وفاسدة.
ورغم خلفيته المالية، إلا أن كثيرين يشككون في قدرته على تحريك الملفات العالقة، في ظل ذات المنظومة التي أفشلت سلفه، ما لم يتم منحه صلاحيات كاملة وتوفير غطاء سياسي حقيقي.
ردود الفعل: تباينات واتهامات مبطنة
استقالة بن مبارك أثارت تباينات واسعة. فبينما اعتبرها بعض المحللين اتهامًا غير مباشر للعليمي بالفشل والهيمنة على القرار الحكومي، رأى آخرون أنها مجرد مخرج لتفادي إعلان الإقالة رسميًا.
الناشطون على منصات التواصل الاجتماعي انقسموا بين الإشادة بمحاولات بن مبارك لمواجهة الفساد، واتهامه بالتقصير والفشل.
في حين أكد رئيس الوزراء الأسبق خالد بحاح أن “التغيير الحقيقي لا يكون بتبديل المناصب، بل بإعادة بناء منظومة الحكم”، في إشارة واضحة إلى أن الأزمة أعمق من مجرد تغيير رئيس وزراء.
الجنوب يراقب: هل يتغير شيء؟
بالنسبة الجنوب، يُنظر إلى هذا التغيير باعتباره حلقة في مسلسل التدوير داخل منظومة فاشلة لم تقدّم شيئًا للمواطنين. ويرى مراقبون جنوبيون أن الأزمة لا تتعلق فقط بشخص رئيس الوزراء، بل بجوهر الشرعية نفسها، التي تتآكل يومًا بعد آخر نتيجة غياب الإرادة الحقيقية للإصلاح وتحديد الأولويات.
وفي ظل استمرار الهيمنة المركزية، وتغوّل قوى الفساد، وغياب استراتيجية إنقاذ، تبدو استقالة بن مبارك وتعيين بن بريك وكأنها مجرد تغيير في الواجهة، لا يلامس جوهر الأزمة، ولا يستجيب لمطالب الشارع المتآكل اقتصاديًا والمنهك خدميًا.