اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.
اخبار وتقارير

بعثة الجنوب في واشنطن: خطوة دبلوماسية تعزز الاعتراف الدولي وتجسد إرادة إعلان عدن

 

النقابي الجنوبي/تقرير/هشام صويلح/خاص

في الرابع من مايو 2017، أعلن الجنوبيون عبر “إعلان عدن التاريخي” بداية مشروع سياسي جديد، فوضوا فيه الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي بتشكيل كيان يعبر عن تطلعاتهم نحو استعادة دولتهم وبناء مستقبلهم على أساس الإرادة الشعبية. وبعد سنوات من العمل الميداني والدبلوماسي المضني، تُتوَّج هذه المسيرة اليوم بحدث استثنائي يتمثل في تدشين بعثة رسمية للمجلس الانتقالي الجنوبي في العاصمة الأمريكية واشنطن، في لحظة تتجاوز رمزيتها الطابع الاحتفالي إلى كونها نقلة نوعية في موقع الجنوب على خارطة السياسة الدولية.

الحدث الذي وصفه د. صدام عبدالله بأنه “علامة فارقة في مسيرة قضية شعب الجنوب”، لا يأتي مجرد فتح لقنوات تواصل دبلوماسي مع الخارج، بل يمثل ترسيخًا لشراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية، ونافذة جديدة لتعزيز الحضور الجنوبي داخل المؤسسات السياسية الدولية. فهذه الخطوة تمكّن الجنوب من إيصال صوته مباشرة إلى صانع القرار الأمريكي والمجتمع الدولي، وشرح قضيته العادلة كقضية شعب ينشد الحرية والاستقرار بعد عقود من التهميش والصراعات.

ومن الناحية التفسيرية، فإن افتتاح البعثة يعكس مرحلة جديدة من الفعل السياسي الجنوبي القائم على مخاطبة العالم من موقع الندية والتمثيل الذاتي، بدلًا من الاعتماد على وسطاء أو التحدث من خلف أطراف أخرى. فالمجلس الانتقالي، بهذه الخطوة، يعلن امتلاكه أدوات التفاوض المباشر مع المجتمع الدولي، ويبرهن على أنه رقم صعب لا يمكن تجاهله في معادلة الأمن الإقليمي والدولي، لا سيما في ظل موقع الجنوب الجغرافي الحاكم على بوابة باب المندب والمحيط الهندي.

ويرى د. صدام عبدالله أن هذا الإنجاز لم يكن ليتحقق لولا الجهود الدؤوبة التي بذلها الرئيس عيدروس الزُبيدي، من خلال زيارات متكررة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، قدم خلالها رؤية متماسكة لدور الجنوب في دعم الاستقرار ومكافحة الإرهاب، الأمر الذي لاقى تفهمًا متصاعدًا لدى مراكز التأثير وصناعة القرار الأمريكية. وقد أثمرت تلك الجهود اليوم بوجود بعثة جنوبية رسمية، ما يعكس ثقل ملف الجنوب في المحافل الدولية، ويؤكد أن المجلس الانتقالي بات شريكًا فاعلًا في تحقيق الأمن الإقليمي، وليس مجرد طرف محلي محدود التأثير.

وعلى المستوى التاريخي، فإن الربط بين تدشين البعثة وذكرى إعلان عدن يمثل توقيتًا مقصودًا له دلالاته، فكما كان الرابع من مايو 2017 محطة انطلاق لمشروع سياسي حر، فإن الرابع من مايو 2025 يأتي ليؤكد نضج هذا المشروع وانتقاله من ساحات النضال الداخلي إلى دوائر الفعل الدبلوماسي العالمي. إن هذا التزامن كما يصفه د. صدام “يمثل صفحة جديدة ومشرقة في تاريخ الجنوب”، تؤسس لبداية مرحلة جديدة من العمل المنظم، وتفتح بوابة نحو اعتراف أوسع وشراكة أقوى مع الخارج.

أما على مستوى التأثير الجيوسياسي، فإن الخطوة تأتي في وقت حرج تمر به المنطقة، تتزاحم فيه المصالح الدولية وتتغير فيه خارطة التحالفات، ما يجعل من الحضور الجنوبي الرسمي في واشنطن ضرورة استراتيجية وليست مجرد مكسب رمزي. فهي خطوة تعزز من قدرة الجنوب على حماية مصالحه، وتضعه في موقع يسمح له بالتفاعل مع التحولات العالمية، لا سيما في ما يتعلق بأمن الملاحة الدولية، وملف مكافحة الجماعات الإرهابية التي تنشط في مناطق النفوذ الشمالي وتستخدم اليمن كورقة ضغط في صراعات إقليمية أوسع.

صدى شعبي واسع: من حلم مستحيل إلى إنجاز مُبهر

لم يكن تدشين بعثة الجنوب في واشنطن قرارًا فوقيًا أو نخبويًا، بل جاء محمولًا على أكتاف طموح شعبي كان يتوق للاعتراف والتمثيل. الناشط الجنوبي صدام بلبحيث النعماني تساءل قائلًا: “هل تذكرون عندما كان البعض يسخر من ‘حلم الاعتراف الدولي’؟ وكيف كانوا يروجون أن المجلس الانتقالي وُلد ميتًا؟ اليوم، البعثة تردّ بـ’أفعال لا أقوال’. السخرية تحولت إلى إعجاب”.

ورأى الناشط مالك اليزيدي اليافعي أن القضية الجنوبية “ظلت تائهة رغم نجاحها حتى أتى المجلس الانتقالي ليضعها على الطريق الصحيح”، مؤكدًا أن “الجماهير وجدت أخيرًا ما كانت تبحث عنه”، في إشارة إلى القيادة التي تعبّر فعليًا عن تطلعات الشارع الجنوبي.

ومن جانبه، عبّر الناشط الحقوقي السقطري سعيد ضمداد عن لحظة التحول بالقول: “من لحظة إعلان عدن إلى لحظة رفع علم الجنوب في قلب واشنطن.. هذا هو الطريق الذي اختاره الجنوبيون: نضال- تفويض- بصيرة سياسية تصنع التاريخ”. وفي موضع آخر، أضاف: “ما بين التفويض الشعبي في عدن والتمثيل الدبلوماسي في واشنطن، جسد الزُبيدي الإرادة الجنوبية في أبهى صورها.. وهذا يوم للفخر لكل من يؤمن بأن النصر ينتزع بالحكمة والصمود”.

وأكد الصحفي الجنوبي مهيب الجحافي أن “يوم إعلان عدن التاريخي ليس مجرد ذكرى، بل لحظة تحوّل في مسيرة الجنوب”، مشيرًا إلى أنه اليوم الذي “وُلد فيه المكون السياسي الجامع، وتوحدت فيه إرادة أبناء الجنوب خلف قيادتهم الشرعية”.

أما الناشط السياسي علي ناصر العولقي، فقد اعتبر أن “إعلان عدن التاريخي وإنشاء المجلس الانتقالي شكّلا ضربة قاصمة لقوى الإرهاب اليمنية التي كانت تحاول القضاء على آمال الجنوبيين وكسر إرادتهم”، مضيفًا أن هذه الإرادة اليوم تُعبّر عن نفسها من قلب واشنطن بكل وضوح وثقة.

ختامًا، فإن بعثة الجنوب في واشنطن ليست مجرد لافتة دبلوماسية، بل هي ثمرة تضحيات شعب وإرادته السياسية، كما أنها بداية لمرحلة جديدة من الاشتباك الإيجابي مع العالم، قائمة على مخاطبة الآخرين بلغة الحقوق والوقائع، لا بلغة التبعية أو الوصاية. وبهذا الإنجاز، يُضاف إلى رصيد المجلس الانتقالي ورئيسه الزُبيدي خطوة استراتيجية كبرى، تنقل الجنوب من هامش المشهد الإقليمي إلى مركزه، وتُرسِّخ حضوره كطرف مستقل يسعى نحو مستقبل آمن ومزدهر لشعبه، في الداخل كما في المحافل الدولية.

زر الذهاب إلى الأعلى