“تصعيد إقليمي وهدوء نسبي” .. كيف يروّج جروندبرج لوهم السلام لصالح الحوثيين؟

النقابي الحنوبي/ المحرر السياسي
في توقيت سياسي بالغ الحساسية، وصل المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس جروندبرج، إلى العاصمة عدن، أمس الثلاثاء 1 يوليو 2025، حاملاً معه حزمة من التصريحات الفضفاضة، التي تعكس –للأسف– استمرار الانحراف الأممي في فهم طبيعة الأزمة اليمنية، والانحياز غير المعلن لمعادلة تُكافئ الميليشيات.
وبنظرة تحليلية إلى تصريحات جروندبرج، نكتشف أنها تحمل مضامين لا تخلو من التناقض والتضليل، أبرزها ما عبّر عنه في تسجيل مصور نشره على منصة “إكس”، حين قال: “على الرغم من التحديات والتصعيد الإقليمي، إلا أن اليمن يشهد حالة من الهدوء النسبي، وهي فرصة يجب البناء عليها لتعزيز المسار السياسي ومعالجة الأوضاع الاقتصادية والأمنية.”
هنا يتجلى الخلل الفادح في المقاربة الأممية. فـ”الهدوء النسبي” الذي يتحدث عنه المبعوث لا وجود له فعليًا في الجنوب، حيث تتواصل العمليات التخريبية لخلايا الحوثيين، وتتوسع تهديداتهم للملاحة الدولية، وتُمارس ضغوطات اقتصادية خانقة على المحافظات المحررة. كيف يمكن توصيف هذا السياق بأنه “هدوء”، بينما الصواريخ والطائرات المسيّرة لا تزال تحلق فوق المدن وباب المندب
أما دعوة جروندبرج إلى “قرارات حاسمة لإنهاء الجمود السياسي”، فهي تعبير عام لا يلامس جوهر الإشكال، إذ لا يحدد من هو الطرف الذي يعرقل التسوية السياسية ويرفض تنفيذ الاتفاقات، ولا يشير إلى الميليشيا الحوثية المسلحة وتنصلها عن كل مسار تفاوضي ما لم يمنحها شرعية مكتسبة.
ثمّة تساؤل مشروع: لماذا يرفض المبعوث الأممي تسمية الطرف المعرقل؟
أليس الحوثي هو الذي أفشل اتفاق استوكهولم بشأن الحديدة؟
أليس هو من نقض الهدنة الأخيرة، ورفض تمديدها ما لم يُمنح مطار صنعاء وميناء الحديدة امتيازات مالية وسياسية؟
أم أن المجتمع الدولي لا يريد الاعتراف بأن أدواته الأممية باتت جزءًا من المشكلة لا من الحل؟
في ذات التصريحات، تحدث جروندبرج عن تطلعه لـ”إجراء محادثات جادة ومعمقة مع الأطراف اليمنية”، وهي دعوة تنقصها الجدية نفسها. فالمجتمع الدولي يُعيد الكرة ذاتها، بالدعوة إلى “محادثات شاملة” مع جماعة لم تعد تخفي طائفيتها وارتباطها بأجندات خارجية، وتعمل ليل نهار على تقويض أي فرصة للتعايش بين اليمنيين. فكيف تُطرح التسوية السياسية دون شروط واضحة؟ ومن الذي يضمن أن الحوثي لن يستغل أي عملية سياسية قادمة لتكريس مكاسبه العسكرية وتحويلها إلى شرعية سياسية؟
ما يدعو للقلق أيضًا هو ما ورد في تصريح جروندبرج حين قال:
“يجب مضاعفة الجهود الدولية والمحلية للبحث عن حلول مستدامة.”
لكن السؤال الذي لم يطرحه هو: هل الجهود السابقة فشلت بسبب قلة المساعي أم بسبب تغييب الحقائق؟ وهل فشلنا في السلام لأن الأطراف الشرعية لم تقدم التنازلات، أم لأن المجتمع الدولي كان يساوي دائمًا بين الضحية والجلاد، ويغض الطرف عن الممارسات الحوثية التي تقوّض أي عملية سياسية من الأساس؟
ثم تأتي جملته الأخيرة لتختصر فلسفة العبث الأممي:
“المرحلة الحالية تتطلب قرارات فاعلة من جميع الأطراف اليمنية للدفع نحو تسوية سياسية شاملة تُنهي سنوات من الصراع والمعاناة.”
جميلة في ظاهرها، لكنها تحمل في طيّاتها تجاهلاً كارثيًا لموازين القوى الحقيقية، وللعدالة الغائبة، ولحق الضحايا في إنصاف تاريخي. إذ كيف تُطلب قرارات من “جميع الأطراف” دون أن تكون هناك محاسبة، أو حتى توصيف واضح لمن بدأ الحرب، ومن يرفض إنهاءها؟ وكيف يمكن بناء سلام شامل بينما الجنوب يُستهدف عسكريًا، واقتصاديًا، وإعلاميًا، ويتعرض لمحاولات قسرية لإعادته إلى وحدة ماتت شعبيًا وسياسيًا؟
ختامًا، يبدو أن جروندبرج لا يزال أسير المفهوم الرمادي للعمل الدبلوماسي، ذلك الذي يُعلي من لغة التسوية الشكلية على حساب جذور الصراع، ويُحاول فرض “سلام لا يعالج الظلم”، بل يساكنه ويقنّنه. أن الجنوب اليوم قد بات يمتلك من الوعي السياسي والقدرة الميدانية ما يكفي ليقول: لسنا وقودًا لهدنة تخدم الحوثيين، ولا أطرافًا ثانوية في وطن نريده حرًا وذا سيادة.
فمن أراد سلامًا حقيقيًا، فعليه أن يبدأ من الاعتراف بالقضية الجنوبية، وتسمية معرقل السلام باسمه، لا بوصفه المفضل في بيانات الأمم المتحدة: “طرفًا في النزاع”.