الذكرى 52 لعيد القوى الجويه والدفاع الجوي..تطور ونشوء كتائب الدفاع الجوي المستقلة وألوية الصواريخ م/ط

العقيد/جمال ناصر مثنى
يصادف الثامن والعشرين من سبتمبر من هذا العام 2024 الذكرى الـ 52 لتأسيس القوات الجوية والدفاع الجوي، وهي مناسبة عظيمة وعزيزة على قلوبنا نحن منتسبي هذه الوحدة، حيث نحمل فيها ذكريات جميلة تركت بصماتها في قلوبنا، وسنظل نتذكرها ونرويها للأجيال القادمة. وبهذه المناسبة، أود أن أسرد لمحة موجزة عن نشأة وتطور الدفاع الجوي.
في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، كان الدفاع الجوي يُعتبر وحدة عسكرية قتالية ضمن هيكل القوات الجوية والدفاع الجوي. بدأت نشأة الدفاع الجوي في أوائل السبعينيات من القرن الماضي، وكانت تعتمد على بطاريات مدفعية 37 ملم م/ط (مضادة للطائرات)، حيث تمركز جزء منها في معسكر بدر وبعض المراكز الحيوية الأخرى، بينما تم نشر الجزء الآخر ضمن تشكيلات ألوية المشاة المختلفة.
خلال تلك الفترة، أخذت القيادة السياسية والعسكرية على عاتقها مهمة تحديث وتطوير وسائل الدفاع الجوي بالتوازي مع تحديث القوات الأخرى، بما في ذلك الطيران. وتم تعزيز الدفاع الجوي بأسلحة جديدة مثل المدفعية 23 ملم م/ط (مضادة للطائرات) وصواريخ “استرلاء 2” المحمولة على الكتف، وتشكيل أول كتيبة للدفاع الجوي بعدد من البطاريات النارية التي تم نشرها في عدة مواقع، منها معسكر بدر، ورأس مربط في التواهي، ومعسكر مطار صلاح الدين، وأطقم منفردة أخرى في الخيسة، ورأس فقم وبطارية في مطار الغيضة وأخرى في جزيرة ميون. كانت هذه البطاريات تستهدف الأهداف على ارتفاعات منخفضة ومتوسطة، حيث يتراوح مداها بين 1500 و2500 متر، ليتم توسعتها في مستهل الثمانينيات إلى أربع كتائب نارية مستقلة.
تمركزت مواقع الكتائب النارية للمدفعية م/ط (مضادة للطائرات) في المعسكرات والمواقع التالية:
– كتيبة في محافظة عدن.
– كتيبة في محافظة لحج (القاعدة الجوية في العند).
– كتيبة في محافظة المهرة (مطار الغيضة).
– كتيبة في جزيرة ميون.
كانت الكتائب المدفعية معززة بصواريخ “استريلا 2” المحمولة على الكتف. وقد قاد الكتائب عدد من الضباط البارزين، مثل النقيب محمد محسن الضبيات، النقيب محمود شعفل، النقيب المسلم، النقيب عبدالله مقبل، والنقيب بلعيد الخضر سالم.
في منتصف الثمانينيات، تم إدخال كتيبة جديدة لصواريخ “استريلا 1″، حيث تمركزت في البداية في معسكر بدر قبل نقلها إلى مطار عتق بمحافظة شبوة تحت قيادة الشهيد العقيد علي ثابت.
أما ألوية الصواريخ، فقد أنشأت الدولة منظومة جديدة لتشمل اللواء الأول للدفاع الجوي، الذي أُرسل إلى الاتحاد السوفيتي للتدريب على منظومة صواريخ “دفينا”. بدأ اللواء الخدمة في عام 1978 لحماية المنشآت الاقتصادية في عدن، وتم نشر كتائبه النارية في عدد من المواقع، لتشمل جعولة، بئر النعامة، أبو حربة، منطقة الحسوة، والممدارة، وتمركزت الكتيبة الفنية في قرية بئر فضل.
نظراً لأهمية الدفاع الجوي في تلك المرحلة المشحونة بالكثير من المشاكل والتعقيدات في المنطقة والعالم، رأت القيادة العسكرية والسياسية ضرورة تعزيز الدفاع الجوي بوسائل جديدة ومختلفة لتغطية أجواء محافظة عدن. اتُخذ القرار بإضافة لواء صواريخ “بتشورا” مكون من 3 كتائب صاروخية وكتيبة فنية، ليصبح اللواء الأول في عام 1984 بقوام لوائين.
تمركزت كتائب الصواريخ “بتشورا” الجديدة في عدة مواقع، منها معسكر بئر أحمد، السيسي على خط البريقة، والعريش على خط العلم، ليتكون اللواء الأول المدعم الجديد من:
• الكتيبة الأولى “دفينا” في معسكر جعولة، يقودها الملازم أول عبدالله محمد عفيف.
• الكتيبة الثانية “دفينا” في معسكر بئر النعامة، يقودها الملازم أول بن بريك.
• الكتيبة الثالثة “دفينا” في معسكر أبو حربة (الحسوة)، يقودها الملازم أول عبدالله ناصر.
• الكتيبة الرابعة “دفينا” في معسكر الممدارة، يقودها الملازم أول عبدالله مساعد أحمد.
• الكتيبة الخامسة “بتشورا” في معسكر بئر أحمد، يقودها الملازم أول صالح أحمد صائل.
• الكتيبة السادسة “بتشورا” في معسكر السيسي (البريقة)، يقودها الملازم أول عبدربه هيثم حسن.
• الكتيبة السابعة “بتشورا” في معسكر العريش، يقودها الملازم أول زيد حسين أمجلد.
• الكتيبة الفنية “دفينا”، يقودها الملازم أول فضل اللحجي، والكتيبة الفنية “بتشورا”، يقودها النقيب محمد محسن الضبيات، وتقع هاتان الكتيبتان في معسكر قرية بئر فضل.
تعاقب على قيادة اللواء الأول عدد من القادة، منهم:
• الملازم أول الدمبي.
• الملازم أول قاسم عسكر جبران.
• العميد الركن عبدالله علي شليل.
• اللواء الركن أحمد سعيد بن بريك.
• اللواء الركن صالح عبد الحق.
• اللواء الركن صالح محمد قماطة.
في النصف الأول من الثمانينيات، تم تشكيل اللواء 28 صواريخ “كفادرات” لحماية قاعدة العند الجوية والمحور الغربي. كان أول قائد لهذا اللواء النقيب باحاج، وأركانه النقيب علي قاسم راجح، وضم اللواء عدداً من الضباط البارزين مثل العميد الركن سالم جابر، العميد الركن هائل، العميد الركن مقبل مثنى محسن، العميد علي طاهر شعفل، العميد الركن ناجي المشدلي، العميد الركن صالح مثنى الجهوري، وغيرهم ممن لا تسعفني الذاكرة بأسمائهم.
في عام 1987، اكتُشف النفط في محافظة شبوة بمنطقة عياد، مما استدعى تشكيل لواء صواريخ “فولجا” للدفاع الجوي تحت اسم “لواء الشهيد فيصل رشيد”. أُرسل أفراده إلى الاتحاد السوفيتي للتدريب، ودخل اللواء الخدمة في عام 1988م لحماية حقول النفط. وقد قاده اللواء الركن عبد الله ناجي حميدان، وكان الأركان اللواء الركن محسن سالم عسكر، مع عدد من الضباط البارزين مثل العميد فضل سالم حسان، العميد الركن سعيد الشعملي، المرحوم فاضل طهشه، العميد علي علوي البيحاني، المرحوم ناصر عبدربه البيحاني المرحوم سيف عليب، العميد فضل جواس، العميد الركن ثابت محمد صالح، العميد هيثم محسن، المرحوم علي بن علي، العميد صالح أحمد علي، وكاتب هذه السطور، وكوكبة لامعة من الضباط.
منذ نشأة الدفاع الجوي في السبعينيات، تم تحديثه بشكل مستمر ضمن وحدات الجيش بمختلف وحداته وقواته وأسلحته ليصبح أحد أقوى جيوش المنطقة آنذاك، بما في ذلك القوات الجوية والدفاع الجوي، حيث كانت تمثل صمام الأمان والحارس الأمين لأجواء الوطن ومياهه الإقليمية. تميز الدفاع الجوي بخبرات عسكرية وتكتيكية عالية، وكان يتطلب اتخاذ قرارات دقيقة وسريعة، وهو ما تحقق بفضل الكفاءات والقدرات الاحترافية العالية التي كان يتمتع بها منتسبوه، كيف لا وهم أول من يصحو وآخر من ينام وعيونهم تراقب الأجواء، حتى وإن طار طائر في السماء، تتابعه أعينهم لمعرفة وجهته ومن هو، باعتبار أجواء الوطن سيادية وخطوطاً حمراء لا يسمح بإختراقها.
الجدير بالذكر أيضاً يوجد قسم للدفاع الجوي في الكلية العسكرية صلاح الدين وكذلك تم إنشاء كلية الطيران والدفاع الجوي لرفد وحدات الدفاع الجوي بالكادر المؤهل..كما يتم إرسال الدفع المتتالية إلى الاتحاد السوفيتي والمعسكر الشرقي سنوياً لهذا الغرض
لقد كان الاهتمام بالدفاع الجوي وتأهيل كوادره في الداخل والخارج، في أرقى الأكاديميات والكليات، له مردود إيجابي في رفع مستوى القدرات والكفاءات للتعامل مع أحدث المعدات والمنظومات الصاروخية، ما جعلهم يضاهون مستوى الخبراء الأجانب في هذا المجال. تم إرسال أول دفعة للدراسات العليا وقيادة الجيوش في مجال الدفاع الجوي في نهاية سبعينيات القرن الماضي، وكان من بينهم الأسماء التالية:
– اللواء الركن أحمد سعيد بن بريك (أطال الله في عمره).
– اللواء الركن علي عقيل (رحمه الله).
– اللواء الركن عبدالله ناجي حميدان (رحمه الله).
– اللواء الركن سعد راجح (ربنا يشفيه).
وقد كان لي شرف اللقاء بهذه الهامات الكبيرة أثناء فترة دراستهم في الاتحاد السوفيتي، في مدينة “روستوف” بالصدفة، ونحن متوجهون إلى مدينة “سوتشي” الروسية للتطبيق العملي ضمن مناورة عسكرية تحاكي الواقع على الأرض، وكان ذلك في العام 1984.
كان الدفاع الجوي في عدن وحدها يمتلك أكثر من 16 موقعاً عسكرياً تمثل تقريباً 70% من مساحة الجيش مجتمعة حينها!
قيادة الدفاع الجوي
أبرز القيادات العسكرية التي تولت قيادة الدفاع الجوي منذ نشأته هم كالتالي:
القائد عبدالله مثنى الحريري، والقائد علي عقيل، والقائد الكديم (رحمهم الله)، ثم تلاهم اللواء الركن أحمد سعيد بن بريك، واللواء الركن ناصر عبدربه ناصر الطاهري.
الجدير بالذكر أن احتفال منتسبي القوات الجوية والدفاع الجوي بالذكرى الـ 52 يأتي في ظل وضع وظروف غاية في التعقيد، أوجدتها التصرفات الخاطئة وغير المسؤولة من قبل جهات حاقدة تجاه هذه الشريحة الواسعة من العسكريين. وجد العديد منهم أنفسهم خارج الخدمة، وبعضهم يتقاضى راتباً تقاعدياً لا يتجاوز 32,000 ريال، بينما يفتقد البعض الآخر إلى مسكن يأويه بعد أن كبر الأبناء وتوسعت الأسر، وذلك بعد أن أفنوا شبابهم في خدمة الوطن.
ونحن نحتفل اليوم بالذكرى الـ 52 لتأسيس القوات الجوية والدفاع الجوي، أحببت أن أقدم هذا السرد التاريخي اعتماداً على ذاكرتي وبعض الزملاء، نظراً لغياب أرشيف يوثق هذه الفترة. أعتذر عن أي أخطاء غير مقصودة أو نسيان بعض الأسماء الهامة التي كان لها دور فعال. كما أرجو من كل من اطلع على موضوعي هذا ولديه تصحيح أو إضافة أن يتواصل معي، وله جزيل الشكر.
في الختام، أترحم على الشهداء الذين ضحوا في تلك المرحلة والمراحل اللاحقة، وأدعو بالرحمة والمغفرة لمن فارقونا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.