«الثورجية المؤقتة» .. عندما تصبح فلسطين جسراً لشرعنة الميليشيات

النقابي الجنوبي/رأي وتحليل/خاص
في خضم تصاعد النبرة التضامنية مع غزة، يعيد الدكتور حسين لقور بن عيدان فتح ملف التناقضات البنيوية لما يُسمى محور المقاومة، الذي يرفع راية تحرير فلسطين فيما تتباين أدواره وأولوياته بحدة، بين من يسعى لحماية مكتسبات سلطة، ومن يروّج لانتصارات صورية، ومن يغامر بوهم البطولة الثورية.
ينطلق لقور من تفكيك الخطاب “الطهراني”، الذي يعتبره خطابًا مزدوجًا قائمًا على المزاوجة بين الثورية كسلعة دعائية والواقعية السياسية كمحدد استراتيجي. فإيران – بحسب رأيه – لا تتعامل مع غزة باعتبارها مأساة إنسانية أو مسؤولية قومية، بل باعتبارها “ورقة في صراع النفوذ”، تحرّكها بمنطق “الهجوم بالواسطة”، لتجنّب مواجهة مباشرة قد تجر عليها كلفة باهظة، في ظل أزماتها الداخلية المتراكمة.
أما حزب الله، فبحسب لقور، لم يعد يحتفظ بهوية ميليشيا عابرة للحدود، بل انغمس في مستنقع النظام اللبناني الطائفي، مما فرض عليه “معادلة الخسارة المركبة”: إن قاتل خسر السلطة، وإن سكت فقد موقعه في خطاب المقاومة. لذلك، فإن أي تصعيد إسرائيلي يُقابَل بحسابات دقيقة، حيث تتحوّل المقاومة من مشروع إلى شعار مشروط بالبقاء السياسي.
وفي منحى أشد قسوة، يسلط د. لقور الضوء على النموذج الحوثي، بوصفه أكثر تعبيرًا عن “الترف الثوري” – وهو المصطلح الذي يستخدمه ليصف حالة جماعات لا تتحمل تبعات حكم، لكنها تستثمر في المعارك الدعائية. الحوثيون – حسب رأيه – لا يديرون دولة، ولا يُحاسَبون على انهيار الخدمات أو تفشي الجوع، بل يجدون في الصراع فرصة لـ”تعويم شرعيتهم” محليًا وإقليميًا.
ويضيف أن استهداف الحوثيين للسفن في البحر الأحمر أو إطلاقهم صواريخ نحو إسرائيل ليس انخراطًا مسؤولًا في معركة تحرير، بل “استثمار في صورة الفدائي” ضمن سوق جديدة من “الثورجية”، وهو التعبير الذي استخدمه لوصف سباق الدعاية بين جماعات تحاول ترويج نفسها كأبطال وهميين لقضية لم يعودوا معنيين بها فعليًا.
الخطاب شيء، والممارسة شيء آخر – تلك خلاصة رؤية لقور، الذي يعتبر أن كل طرف في هذا المحور يزن خطواته بميزان مصالحه:
إيران تُراوغ لتجنّب مواجهة مباشرة مع الغرب، حزب الله يُقيد نفسه بمعادلات الداخل اللبناني، والحوثيون يمضون في “حرب بلا محاسبة”، حيث يُستغل الشعب كوقود للآلة الدعائية.
وفي هذا السياق، يرى لقور أن فلسطين باتت ضحية مزدوجة: مرة للاحتلال الإسرائيلي، ومرة أخرى لتحالفات وشعارات جوفاء. ويقول إن شعار “وحدة الأمة” الذي يرفعه هذا المحور لا يترجم على الأرض إلا بانقسامات أعمق، حيث تُختزل فلسطين إلى “ذريعة لترميم شرعيات مهترئة”، بينما الشعوب – من غزة إلى صعدة، ومن بيروت إلى طهران – هي من تدفع الثمن دومًا.
خلاصة الموقف؟
يرى د. حسين لقور أن “محور المقاومة” ليس إلا واجهة صوتية لقوى مأزومة، تستخدم فلسطين كقناع يخفي صراعاتها الداخلية وسعيها لتثبيت شرعيات متآكلة. فحين تتحول غزة إلى منصة استعراض، ويتحول اليمن ولبنان إلى ساحات تسويق لوهم “الثورجية”، فإن الخسارة ليست فقط في الأرض، بل في المعنى ذاته للمقاومة. ولذا، لا تحرير بلا صدق، ولا مقاومة في ظل نفاق استراتيجي تحكمه المصالح لا المبادئ.