اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.
الجنوب في الصحافة العالمية

#ألمٌ وكبرياء#

كتب/ياسمين مساعد.

لقد كانت بإستمرار ودون ملل ترقب الطريق الذي يأتي منه أبيها عائداً من جبهة القتال لتكون عينيها أول من رأته مقبلً إليهم فتتراقص من شدة الفرح مهرولةٍ قائلة أمي أمي لقد عاد أبي من الحرب وتتجه إلى الباب لتفتحه لأبيها الذي يدنو إليها مبتسماً ويضمها إلى صدره ضمةٌ حانية ثم يأتي أخوتها وأمها ويسلم عليهم ويعانقهم ويمضي بعض الوقت معهم ويتفقد دروسهم وواجباتهم المدرسية وبعد ذلك يلاعبهم ويمازحهم وهي مغرمةٌ بنظر إليه والجلوس بقربة وعندما أتى موعد ذهابه إلى الجبهة كانت عيناها تفيض حزناً لإبتعاده عنها وكانت تمسك ببنطال بزته العسكرية وتسايره إلى خلف المنزل فيمسك بيديها ويزيحهما ثم يحملها ويحتضنها ويمسح دموعها المنهمرة قائلاً لاتبكي ياحبيبتي سأذهب لأقاتل أعداء الوطن وأهزمهم حتى تعيشي أنتي وأخوتك بعزة وكرامة ويكون لكم مستقبلٌ مشرقٌ وجميل.

ثم ودعها وقال لن أطيل غيابي سأعود وسنلعب معاً ونذهب إلى المزرعة لقطف الثمار والخضار ونزور جدك وجدتك ثم إتجه إلى الطريق وهي تراقبه حتى صعد إحدى الشاحنات وهو يلوح لها بيده مودعاً.

مضت الأيام وطالت وأبيها مازال في جبهة القتال ولم يعد بعد وكلما اشتد بها الحنين إليه ذهبت وأخرجت صورته الورقية وتمعنت بالنظر إليها وكعادتها كل يومٍ تذهب إلى شرفة المنزل كي تراقب الطريق وكلما شاهدت مركبة أو شاحنة توقفت جانباً رقص قلبها فرحاً ضناً منها إنه أبيها العائد من الحرب وضلت على هذه الحالة لأيامٍ طويلة دون يأسٍ كلما مضى يوماً تقول أبي غداً عائدٌ إلينا.

وفي ذات يوماً لم يكن صباحه جميلٌ
لقد كانت سماءه ملبدةٍ بالغيوم وكان البرد غارساً والأجواء توحي بحدثٍ جلل فإذا بمركبة تتجه صوب المنزل وهي تراقب ذلك المشهد المريب ثم تقف تلك الشاحنة ويترجل منها رجالٌ تبدوا عليهم ملامح الحزن ثم إذا بهم يقوموا بإنزال نعشٌ وماهي إلا لحيظات حتى تقاطر الرجال من كل أنحاء القرية حاملين ذلك النعش صوب المنزل وهي لازالت في ذهول ناظرةٍ إليهم عينيها خائفةٌ مفزوعة وعقلها يقول محالٌ إن هذا إلا جنون وقلبها الصغير تتسارع نبضاته أما قدميها فتنطلق نحو الباب لترى الرجال يدخلون بالنعش ولسان حالهم يقول عظم الله أجركم لقد أستشهد البطل مقبلً غير مدبر لقد رأت كل هذا وهي ماتزال في ذهول ولاتزال غير مصدقة حتى تعالت صيحات أمها جدها وجدتها اخوتها وكل المحبين عندها ذهبت حبواً إلى النعش لتشاهد أمها ترفع الكفن فتقع عيناها على وجه أبيها وهو مضرجاً بدماء ومبتسماً كإبتسامته التي ودعها بها عندما ذهب إلى الجبهة.
وضعت يديها النحيلتان على خديه وقبلته واستنشقت رائحته الزكية العطرة ثم أمسكت بيديه وقالت أبي كيف تستطيع أن ترحل وأنت تعلم بأنني لن استطيع فراقك كيف تذهب وتتركني حزينه بلا ابٌ يضمني ويرعاني أنا لازلت صغيرة أحتاج لدفئ حنانك.

ترى من سيرأف بهذه الطفلة وأخوتها ومن سيحنوا عليهم ويطعمهم إنه سؤال لكل من أراد أن يجيب.

زر الذهاب إلى الأعلى