لا تُحرَّر الأوطان من خلف الشاشات

كتب / رائد عفيف
بين الخطاب الإعلامي والموقف الميداني
في لحظة مفصلية من تاريخ اليمن، تتكثّف الأسئلة حول جدّية القوى التي ترفع شعار “تحرير الشمال” من قبضة الحوثي. فبينما يشتدّ الخناق على المواطنين في مناطق سيطرة الجماعة، يكتفي البعض بإطلاق التصريحات من خلف الشاشات، وكأنّ المعركة تُخاض بالكلمات لا بالدماء.
تحرير الشمال ليس مهمةً إعلامية، ولا مناسبةً لالتقاط الصور أو إصدار بيانات. إنّه معركة وجود، تتطلّب رجالًا لا يكتفون بالظهور، بل يُثبتون حضورهم في الميدان، حيث يُختبر الصدق وتُكشف النوايا. فالوطن لا يُستعاد بالخطابات، بل بالبندقية التي تُرفع في وجه الظلم، وبالقدم التي تطأ تراب الجبهات.
وفي هذا السياق، يبرز اسم أحمد علي عبدالله صالح، الذي لم يظهر في أيّ معركة تحرير فعلية، رغم ما يُقال عن جاهزيته وولاء القوات له. فهل يُعقل أن من يُقدَّم كقائدٍ عسكريّ لا يخطو خطوةً واحدة نحو الجبهات؟ هل ينتظر أن تُحرَّر الأرض ليستلمها كما فعل بن عمّه طارق، الذي جاء ليستلم المخا والساحل الغربي بعد أن رواها الجنوبيون بدمائهم؟
أين الحرس الجمهوري؟ أين الجيش الذي قيل إنّه وفيٌّ للعميد؟ هل تبخّر حين احتاجه الوطن؟ أم أنّه ينتظر لحظة الاستلام دون شرف المشاركة؟ هذه الأسئلة لا تجد إجابةً في البيانات الرسمية، بل في صمت البنادق التي لم تُطلق، وفي غياب الأقدام عن الجبهات التي لم تُدَس.
من أراد أن يكون جزءًا من التاريخ، فليصنعه بعرق الجبهات لا بوراثة المواقع. فالمجد لا يُهدى، بل يُنتزع. ومن اختار الصمت أو التفرّج، فليترك الحديث لمن حملوا السلاح وواجهوا الموت دون تردّد.
في النهاية، لا تُحرَّر الأوطان من خلف الشاشات، بل من قلب المعركة. ومن أراد أن يُكتب اسمه في سجلّ الشرف، فليحضر حيث يُختبر الرجال، لا حيث تُصاغ البيانات.