علي سيقلي يلخص المشهد في مقاله بعنوان “دراما تاريخية أم درس في السياسة الحديثة؟”

بقلم/ علي محمد سيقلي
يبدو أن رمضان هذا العام قد جاء بمسلسل “معاوية” ليذكّرنا بأن التاريخ ليس مجرد أحداث مضت، بل هو مادة دسمة قابلة لإعادة الطهي على نار سياسية هادئة، مع إضافة بعض النكهات الطائفية، والتحيز المذهبي الفاضح لإرضاء الذائقة العامة. ولكن السؤال الأهم هنا: هل نحن أمام دراما تاريخية خالصة أم درس معاصر في “إعادة ضبط معايير الأمور”؟
المسلسل، كما هو معلوم، يتناول حياة معاوية بن أبي سفيان، مؤسس الدولة الأموية، الذي انتقل بالخلافة من نظام “الشورى” إلى نظام “أنت وذريتك من بعدك”، في خطوة تاريخية سبقت التوريث السياسي العربي الحديث بألف وأربعمائة عام، لكنها لم تكن الأخيرة على الإطلاق.
ومع ذلك، فإن البعض يرى في المسلسل أكثر من مجرد حكاية تاريخية، وبإنه رسالة واضحة المعالم بأن “الدولة العربية الإسلامية” هي الأصل، وكل ما نراه اليوم من تجزئة وانقسامات هو مجرد “خلل في النظام” يحتاج إلى إعادة تأهيله لإعادة ضبط المنتج.
لنتمكن جيدا بصيغة السؤال الأهم، هل المسلسل حقًا بهذه النوايا العميقة، أم أن الأمر لا يعدو كونه محاولة أخرى لبيع منتج تاريخي معلب، وبتلك الميزانية الضخمة، تمامًا كما تبيع لنا المتاجر ملابس تراثية بروح عصرية، لكنها صنعت في مكان مجهول؟
بغض النظر عن التصريحات الرسمية، فإن اختيار “معاوية” بالذات، في هذا التوقيت، ليس محض صدفة.
الرجل لم يكن مجرد خليفة، بل كان أول من أتقن فن إدارة الأزمات واللعب على التناقضات السياسية والدينية. فمن كان أقدر منه على تدبير الأمور وسط الصراعات والانقسامات، تمامًا كما تفعل بعض الأنظمة السياسية الحديثة عندما تحاول إقناعنا بأن الحل دائمًا هو في “يد قوية تقود السفينة”؟
وبينما يتجادل النقاد والمحللون حول الرسائل الضمنية للمسلسل، يكتفي الجمهور بالجلوس أمام الشاشات، يتابع الحلقات بشغف، ثم يتوجه إلى تويتر ليطلق معاركه الخاصة، حيث يتم تصنيف الناس بين “أنصار معاوية” و”خصومه” وكأن الفتنة الكبرى لم تنتهِ بعد، بل تحولت إلى ترند يومي يتصدر القوائم مع وسم معاوية الحكيم أو معاوية المستبد، حسب الهوى والمزاج المذهبي.
وأمام الضجة المفتعلة، هل نحن أمام تسويق فتنة، أم إبراز شخصية تاريخية نعيد إنتاجها في العام 2025م حتى يفهم الطرف الآخر أن حجتنا أقوى من حجة “علي”؟
بالطبع، لا يمكننا تجاهل أن كل هذه الضجة قد تكون ببساطة جزءًا من استراتيجية تسويقية عبقرية. فالمسلسل الذي مُنع في بعض الدول، وحضي بانتقادات في أخرى، أصبح مادة دسمة للإعلام، مما جعل الجميع يتسابقون لمشاهدته، حتى من كانوا يعتقدون أن “معاوية” مات ولم ولم يمت أثره.
فهل نحن أمام خطة مدروسة لتحويل الدراما التاريخية إلى أداة لتوجيه الوعي العربي، أم أن الأمر لا يعدو كونه استثمارًا تجاريًا في شخصية تاريخية مثيرة للجدل؟
في النهاية، سواء كان الهدف هو “إعادة ضبط الأمور”، أو مجرد إعادة تدوير للتاريخ بطريقة سينمائية، فإن المؤكد أن معاوية قد عاد إلى الساحة اليمنية، ولكن هذه المرة ليس ليؤسس دولة، بل ليحكم رمضان بقبضة المشاهدة العالية، وليجعلنا ندرك أن التاريخ، مهما حاولنا دفنه، سيعود دومًا مع كل رمضان نصومه إيمانا واحتسابا.