اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

محمد النعماني يتحدث عن “الدولة العميقة في ثوب الشرعية ومعركة الجنوب”

 

كتب / محمد علي رشيد النعماني

في المشهد السياسي اليمني المعقد تُعد “الشرعية” كما تُسمى رسمياً كياناً يعاني من تصدعات داخلية وانقسامات مزمنة وتحالفات متشابكة جعلت منها إطاراً هشاً عاجزاً عن أن يكون حاضنة وطنية شاملة غير أن الأخطر من هذه الهشاشة هو ما يستتر خلف واجهتها من دولة عميقة تدير كثيراً من تفاصيل المشهد بعيداً عن مؤسسات القرار وتتغذى على استمرار الفوضى وإبقاء الجنوب رهينة للتجاذبات والمكايدات.

ما يسميه البعض الشرعية الدستورية لم يعد سوى غطاء هش لتكتلات نفوذ حزبية وعسكرية واقتصادية هذه التكتلات تتوزع بين مراكز محسوبة على تيارات عقائدية، ومصالح تجارية، وشبكات إقليمية، تتحرك باسم الدولة، بينما هي في جوهرها تعمل ضد مؤسساتها وتطلعات شعبها .

الدولة العميقة لم تنشأ بعد الحرب بل هي امتداد طبيعي لمنظومة النفوذ التي تأسست منذ عقود وتغلغلت في مفاصل الجيش، والخارجية، والمالية، والتعليم، والإعلام، وحتى في ملفات الإغاثة وبعد أن عجزت هذه المنظومة عن استعادة العاصمة صنعاء وجّهت كل طاقتها لإفشال الجنوب وتحجيم مشروعه الوطني والتشكيك بقياداته واستنزاف طاقاته بصورة منهجية ومدروسة.

منذ العام 2015 برز الجنوب كرقم صعب ليس فقط في ميدان القتال ضد الحوثيين بل أيضاً في تقديم نموذج سياسي بديل ينشد بناء مؤسسات دولة ويطالب بحقه المشروع في تقرير المصير وهنا بدأت الدولة العميقة تتحرك لا لمواجهة الانقلاب الحوثي بل لعرقلة كل مشروع جنوبي ناضج يسعى لبناء الدولة واستعادة القرار .

لقد تجلت هذه السياسات بوضوح في استغلال بعض مؤسسات الشرعية لنشر الفوضى في بعض مناطق الجنوب وفي تعيينات مشبوهة داخل المحافظات لا تخدم سوى مصالح القوى الخفية كما برزت في الحملات الإعلامية الممنهجة التي استهدفت المجلس الانتقالي الجنوبي وفي تحريك ورقة الخدمات والمرتبات كورقة ابتزاز سياسي تضرب معيشة المواطن بشكل مباشر .

والأسوأ أن هذه الدولة العميقة لا تنظر إلى الجنوب كشريك فاعل في معركة استعادة الدولة أو بناء السلام بل كساحة نفوذ قابلة للتنازع والتفتيت .

وما يُضاف إلى خطورة هذه الدولة العميقة هو سعيها الدائم لاختراق الصف الجنوبي من الداخل بما في ذلك محاولات التغلغل داخل بعض دوائر المجلس الانتقالي الجنوبي.

قد تكون هذه الاختراقات محدودة أو غير منظورة في العلن لكنها تشكل تهديداً استراتيجياً حقيقياً إذ تستهدف زعزعة التماسك الجنوبي وبث الانقسامات وتشويش البوصلة السياسية ومن هنا تكمن أهمية اليقظة الداخلية وتحصين القرار الجنوبي من أي تأثيرات دخيلة مهما بدت هامشية.

إن إدراك هذه الحقيقة لا يعني الانسحاب من معادلة المواجهة بل يفرض يقظة سياسية ومؤسسية عالية من أبناء الجنوب بمختلف مكوناتهم. فالدولة العميقة داخل الشرعية لن تتوقف عن محاولات الاختراق والاحتواء والتخريب ما لم تُواجه بجبهة جنوبية موحدة تضع مشروع الدولة الجنوبية فوق المصالح الشخصية والمناطقية الضيقة .

الجنوب اليوم أقرب من أي وقت مضى إلى انتزاع حقه لا بالصدام العشوائي بل ببناء مؤسسات متماسكة وذات كفاءة وبالوعي العميق بالتحديات وبالقدرة على تجاوز فخاخ الشرعية المخترقة ومن هنا فإن على الجنوبيين أن يميزوا بوعي كامل بين الشرعية كإطار قانوني يعبّر عن إرادة الناس وبين الشرعية كأداة مختطفة لخدمة مصالح قوى خفية لا تؤمن لا بالدولة ولا بالجنوب.

لن يكون هناك جنوب قوي ومستقر دون حصانة سياسية داخلية متينة “والدولة العميقة” مهما تلبّست بلبوس الشرعية لن تنجح في مساعيها التخريبية ما دامت الإرادة الجنوبية موحدة و مصممة وقادرة على ضبط المسار .

إنها معركة وعي وصبر كما هي معركة حق لا يُنتزع إلا بالإرادة والبصيرة .

زر الذهاب إلى الأعلى