صفقة أسلحة سرية بين إريتريا والسودان تُعيد “صلاح قوش” إلى المشهد العسكري

النقابي الجنوبي/خاص
في تطور عسكري لافت يعكس تصاعد التوترات الإقليمية المرتبطة بالحرب السودانية، كشفت مصادر مطلعة عن وصول شحنة أسلحة متطورة إلى أحد الموانئ الإريترية، تمهيدًا لنقلها إلى السودان. وتضمنت الشحنة صواريخ مضادة للطائرات، وأسلحة مخصصة للطائرات المسيّرة، إلى جانب أجهزة تشويش إلكترونية ومعدات لاعتراض الطائرات.
الصفقة، التي يُرجّح أن تُحدث تحولًا لافتًا في ميزان المواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تأتي في وقت تشهد فيه الساحة السودانية إعادة فرز للأدوار والتحالفات، وسط مؤشرات على عودة وجوه من النظام السابق إلى مركز التأثير، وعلى رأسهم رئيس جهاز الأمن والمخابرات السابق، صلاح عبد الله قوش.
تفاصيل الشحنة.. تكنولوجيا نوعية في صراع الطائرات المسيّرة
وفق معلومات خاصة، فإن الأسلحة التي تم شحنها إلى ميناء إريتري مطل على البحر الأحمر، تضمّنت تجهيزات نوعية تعزز قدرات الدفاع الجوي للجيش السوداني، وتحديدًا في مواجهة الطائرات المسيّرة التي تمثل السلاح الرئيسي لقوات الدعم السريع في حرب المدن والمناطق المفتوحة.
وتشير المصادر إلى أن عملية النقل تمّت بسرية تامة، وبموافقة مباشرة من سلطات إريترية نافذة، بالتنسيق مع ضباط من النظام السوداني السابق. كما أوضحت ذات المصادر أن الصفقة نُسّقت بدقة عبر وسطاء يعملون لصالح صلاح قوش، الرجل الذي لطالما وُصف بأنه “مهندس الدولة الأمنية” خلال العقود الماضية.
قوش يعود للعب دوره الخفي من بوابة الحرب
اسم صلاح قوش لم يعد مجرّد ذكرى من حقبة الإنقاذ؛ بل بات يعود بقوة إلى الواجهة منذ اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع في أبريل 2023، عبر تسريبات وتحليلات أمنية تتحدث عن تحركاته في الظل، وبناء تحالفات مع قوى إسلامية ورجال أعمال، بهدف دعم الجيش واستعادة توازن القوى على الأرض.
وفي هذا السياق، قال المصباح أبو زيد، قائد ميليشيا “البراء” المرتبطة بالحركة الإسلامية، إن الجيش السوداني حصل مؤخرًا على “أسلحة عالية الجودة”، دون أن يذكر الجهة المانحة، ما فُسّر على نطاق واسع بأنه تلميح غير مباشر إلى الصفقة المثيرة.
من هو قوش؟.. عقل الأمن السوداني ومهندس الشبكات السرية
للتذكير، فإن صلاح عبد الله محمد صالح، الشهير بـ”قوش”، وُلد في منطقة نهر عطبرة، ودرس الهندسة الكهربائية بجامعة الخرطوم، قبل أن يلتحق مبكرًا بجماعة الإخوان المسلمين ويصعد في صفوف الحركة الإسلامية.
خلال انقلاب الإنقاذ عام 1989، برز كأحد الأذرع الأمنية الصاعدة بسرعة، إلى أن تولى رئاسة جهاز الأمن والمخابرات الوطني في أكثر من مرحلة، لا سيما خلال ذروة حكم الرئيس عمر البشير. وقد عُرف ببراعته في بناء شبكات استخباراتية معقدة، ونسج علاقات متينة مع أجهزة مخابرات إقليمية ودولية، منها في مصر والخليج والولايات المتحدة.
ورغم تعرضه للإقصاء أكثر من مرة، إلا أنه ظل حاضرًا في الخلفية، يتحرك في أوقات الأزمات. وفي عام 2020، أقام قوش لفترة في إريتريا، برفقة عدد من الضباط المفصولين، حيث استُضيف من قبل الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، في لقاء أثار آنذاك تساؤلات حول طبيعة العلاقات غير المعلنة بين الطرفين.
التحقيقات تكشف التواطؤ الإريتري.. وممرات سرية لنقل السلاح
التحقيقات التي حصلت عليها جهات رقابية إقليمية تشير إلى أن الشحنة الأخيرة لم تكن استثناءً، بل جزءًا من سلسلة صفقات سابقة تم تمريرها عبر الموانئ الإريترية، باستخدام غطاء من رجال أعمال مقربين من شبكات الإسلاميين في السودان.
المصدر ذاته أكد أن بعض معدات التشويش تم شراؤها عبر شركات وسيطة مسجلة في دولة أفريقية مجاورة، ما يُظهر مستوى متقدمًا من التخفي والتمويه في هذه العملية. ومن غير المستبعد أن تكون دول أخرى في الإقليم قد غضّت الطرف عن مسارات التمويل أو التسليح، نظرًا لتحالفاتها السياسية أو الأمنية مع رموز النظام السابق.
قوش والعقوبات الأمريكية.. من الظل إلى اللائحة السوداء
في ديسمبر 2023، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات على قوش، تتهمه فيها بـ”تأجيج الحرب الأهلية السودانية، والتآمر مع أطراف إقليمية لزعزعة استقرار البلاد”. وبذلك، أضيف اسمه إلى اللائحة السوداء التي تضم عدة شخصيات من النظام البائد.
لكن رغم هذه العقوبات، واصل قوش نشاطه، خصوصًا في ملفات ترتبط بالتسليح والمعلومات الاستخباراتية. وتفيد معطيات أمنية بأن قوش يُعتبر اليوم “العقل المدبر” لتحالف غير معلن يضم قوى إسلامية، وقادة ميليشيات، وضباطًا عائدين من التقاعد، في محاولة لتغيير قواعد اللعبة داخل السودان، وربما إعادة تشكيل مشهد ما بعد الحرب.
هل يشكل قوش تحالف الإنقاذ الجديد؟
إذا صحّت المعطيات المتداولة، فإن صلاح قوش لا يتحرك وحده، بل يقود شبكة محسوبة بدقة لإعادة إنتاج منظومة الإنقاذ، هذه المرة من بوابة الفوضى المسلحة. صفقة السلاح الأخيرة ليست مجرد دعم لوجستي للجيش، بل إشارة إلى أن المعركة السياسية قد دخلت مرحلة التسلّح المحترف وتدويل خطوط الإمداد.
ويبقى السؤال مفتوحًا:
هل نشهد ميلاد تحالف أمني جديد يتجاوز قوى الجيش والدعم السريع، ويستعيد قبضة الإسلاميين على الدولة؟
أم أن المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة، سيتدخل لكبح أي محاولة لإعادة تدوير رموز المرحلة السابقة؟
في الحالتين، تبدو عودة قوش كمؤشر خطير على أن الحرب السودانية لم تعد فقط نزاعًا داخليًا، بل مسرحًا مفتوحًا لتصفية الحسابات القديمة بأدوات جديدة.