حينما يفشل القصف في الردع.. هل تصنع عدن مسارًا جديدًا للسلام؟

حينما يفشل القصف في الردع.. هل تصنع عدن مسارًا جديدًا للسلام؟
بقلم: وضاح قحطان الحريري
منذ بدء الضربات الأمريكية على مواقع الحوثيين في اليمن، تحت عنوان “حماية الملاحة الدولية”، تتعدد القراءات حول الأهداف الحقيقية، وسط غياب نتائج ملموسة على الأرض. فالحوثيون يواصلون هجماتهم، فيما تزداد معاناة المدنيين. فهل نحن أمام حملة ردع حقيقية أم إدارة لأزمة تخدم أطرافًا أخرى؟
الملفت أن الحملة العسكرية لم تُحدث تغييرات استراتيجية. الجماعة لا تزال تسيطر على زمام المبادرة في بعض الجبهات، وتستخدم الهجمات الأمريكية لتعزيز خطاب “المظلومية الوطنية” ضد ما تسميه “العدوان الخارجي”. هذا التوظيف السياسي للضربات يمنح الحوثيين زخماً داخلياً، ويزيد من تعقيد المشهد.
لكن في مقابل هذا التعنت، يبرز الجنوب كمساحة متقدمة من الوعي والمسؤولية. فرغم التحديات الاقتصادية والضغوط السياسية، استطاعت القيادة الجنوبية أن تحافظ على حالة من الاستقرار النسبي، وشكّلت نموذجاً لبيئة آمنة تحتضن المنظمات الإنسانية والملاحة الدولية. الموانئ الجنوبية لم تتورط في التهديدات، بل ساهمت في تسهيل خطوط الإمداد العالمية.
الجنوب اليوم لا يقدم نفسه كضحية، بل كطرف يسعى لبناء دولة مستقلة ذات مشروع واضح. القوى السياسية هناك، وعلى رأسها المجلس الانتقالي الجنوبي، طرحت مراراً رؤية شاملة للسلام ترتكز على حق تقرير المصير، واستعادة الدولة الجنوبية بطرق سلمية، بما يضمن استقرار اليمن والمنطقة.
هذه الرؤية، التي تُقابل أحياناً بالتجاهل الدولي، تكتسب اليوم أهمية مضاعفة في ظل فشل المقاربات العسكرية. فمن دون الاعتراف بالقضية الجنوبية كجزء من الحل، سيظل الصراع مفتوحاً، والفرص تُهدر.
وبينما تدور المعارك في البحر والجو، يبرز الجنوب كقوة صاعدة، تمتلك أوراق ضغط سياسية واقتصادية، وتتمسك بخطاب عقلاني لا يقوم على الشعارات، بل على العمل المؤسساتي والانفتاح الخارجي. وهذا ما يضعه في موقع تفاوضي متقدم، إذا ما حان أوان التسويات الكبرى.
ما يحتاجه اليمن ليس فقط وقف إطلاق نار، بل إعادة صياغة شاملة للعقد السياسي، يكون الجنوب فيها طرفاً فاعلاً لا تابعاً. وإلا، فسيبقى اليمن مسرحاً لصراع تتجدد أسبابه كلما تجاهلت الحلول الجذرية.