مجزرة زنجبار 23 يوليو 2009.. يوم دموي لا يُنسى وجريمة لا تسقط بالتقادم

كتب/باحث أكاديمي حقوقي وكاتب سياسي جنوبي.
د/ عبدالرزاق عبدالله أحمد البكري.
في الذكرى السنوية السادسة عشرة لمجزرة زنجبار الدامية، نتوقف وقفة تأمل وغضب، ونتجرع مرارة الذكرى، ونتصفح فصول واحدة من أبشع الجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال اليمني بحق شعب أعزل خرج يهتف بالحرية ويطالب بحقه المشروع في تقرير المصير واستعادة دولته.
في 23 يوليو 2009م، تجمّع الآلاف من أبناء الجنوب الأحرار في مهرجان سلمي بمدينة زنجبار، عاصمة محافظة أبين، ضمن فعاليات الحراك الجنوبي السلمي، مطالبين بالتحرير والاستقلال، رافضين الاحتلال اليمني الذي جثم على صدورهم منذ اجتياح الجنوب في 7 يوليو 1994م.
لكن الرد من سلطات صنعاء لم يكن سوى الرصاص، والدم، والقمع الوحشي، فأمطرت قوات المخلوع علي عبدالله صالح المتظاهرين بالرصاص الحي، فارتقى شهداء وسالت الدماء، وسُجلت المجزرة في ذاكرة التاريخ الجنوبي كجريمة نكراء في وضح النهار، تُضاف إلى سجل أسود من الانتهاكات.
لقد كان ذلك اليوم الدامي شاهدًا على وجه النظام اليمني القبيح، النظام الذي مارس الاحتلال بمفهومه الكامل: اغتصب الأرض، قمع الإنسان، ونهب الثروات، ودمّر المؤسسات، وسحق الكرامة.
واليوم، بعد ستة عشر عامًا من تلك الفاجعة، ما زال السؤال المرّ يقرع الضمائر:
هل نسيتم؟ هل نسيتم زنجبار؟ هل نسيتم سناح؟ والمعجلة؟ والمنصورة؟ والضالع؟ ويافع؟ ولودر؟ وعدن؟
هل نسيتم كيف كانت المدرعات تُدهس الكرامة؟ كيف كانت البنادق تُصوّب إلى صدور الأطفال؟
هل نسيتم كيف غُيّبت الحرية وسُحقت الأصوات؟
أي ظلمٍ أعظم من أن يُقتل المرء لأنه هتف لوطنه؟
إلى من لا زال يحن إلى باب اليمن:
ألا تذكرون زنجبار وسناح؟
ألم تقرؤوا في التاريخ كيف كانت تلك المجازر أشد وطأة مما فعله الاحتلال الإسرائيلي في أشد سنوات قمعه لفلسطين؟
لقد فاقت آلة القمع اليمنية في الجنوب كل ما تخيله العقل من بطش وإرهاب دولة.
تتغنون بـ”الوحدة” وقد كانت وحدة مدافع ودبابات وسجون، وحدة جعلت من الجنوب ساحة نهب وهيمنة، حتى البنى التحتية دُمرت عن بكرة أبيها، والموظف الجنوبي شُرّد، والمثقف أُقصي، والعسكري سُرح، والطالب حُرم، والمريض تُرك للموت.
وما زلتم تلوون أعناق الحقيقة، وتنسبون الجرائم إلى من طالب بتحريركم، وتنظّرون لوحدة أكلت أبناءها وشربت دماءهم.
إلى متى السكوت؟!
إلى متى الصمت عن جرائم لا تسقط بالتقادم؟!
هل مجزرة زنجبار أصبحت مجرد سطر في أرشيف النسيان؟
ألا يكفي ما سفك من دماء؟ ألا يكفي ما تم من تدمير ممنهج؟
ألا يكفي ما يعانيه الجنوبيون اليوم من حرمان من الكهرباء، والماء، والصحة، والتعليم، والكرامة؟
إنها حرب مستمرة بأساليب وأدوات مختلفة، لكنها لا تزال تحمل نفس الهدف: إخضاع الجنوب وكسر إرادته.
لكن هيهات! فقد وعى الجنوبيون الدرس، ولن تمر المجازر مرور الكرام، ولن يُمحى الدم من ذاكرتهم.
ولن تُنسى الحرب المسعورة المستمرة على الخدمات والحقوق الجنوبية مهب الريح العاتية. بل ستظل ذكرى مفصلية على مر السنين، لتبين وجه الخفي لادوات الاحتلال البائد.
لمن يمجد نظام عفاش:
أيها الجنوبيون الذين ما زالوا يطبلون لنظام عفاش العفِن:
ألم تكنوا هناك؟ ألم تشاهد اعينكم؟
ألم تسمع مسامعكم؟ ألم تعيشوا الذل والقمع والمهانة؟
ألم تروا كيف سُحقت أحلام الجنوب تحت بيادة المركزية؟
ألم يكن عفاش هو من قاد الجنوب إلى الجوع والتجهيل والتهميش؟
فلماذا إذاً تمجدون جلادكم؟ ودمر البناً التحتية لبلدكم؟!.. أهو Stockholm Syndrome أم نفاق المصالح؟
كفاكم خداعًا للذات وللناس، فالمسرحية لم تنتهِ، بل تغير الممثلون، وتغيرت الاساليب، وبقي السيناريو نفسه: إخضاع الجنوب وتبديد هويته.
ختامًا، نقول:
إن مجزرة زنجبار وسناح وغيرها من المجازر الدامية، ليست محطات من الماضي، بل نقطة انطلاق نحو المستقبل الجنوبي ، لنذكر الأجيال أن الجنوب لن ينسى شهداءه، ولن يغفر جلاديه، ولن يسامح في دمه، ولن يفرط في قضيته.
الحرية ليست خيارًا بل مصير، والاستقلال حق لا رجعة عنه، والاحتلال وادواته واساليبه زائل لا محالة، والدم لا يُهزم.
المجد لشهدائنا، والعار للجبناء، والحرية للجنوب.