اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

بعد تضييق الخناق.. الحوثيون يجدون ملاذاً عملياتياً في شرق السودان

النقابي الجنوبي/تقرير-خاص

شهدت الأسابيع الماضية سلسلة تحركات لافتة لعناصر وقيادات حوثية نحو شرق السودان، وبصورة أكثر تركّزًا في بورتسودان. لم تبدُ هذه التحركات مجرد عبور عابر، بل حملت معها مؤشرات على نشاط لوجستي وتشغيلي منظم، في توقيت يثير أسئلة حول طبيعة هذا الوجود وحدوده الفعلية: هل هو مسار هروب من الضغط العسكري في اليمن، أم جزء من تموضع جديد في نطاق البحر الأحمر؟

التسريبات الأولى جاءت من تقرير استخباري نشره موقع “نتسيف” العبري، مستندًا إلى تقديرات أمنية غربية وإقليمية. ووفق هذا التقرير، فإن قيادات حوثية مرتبطة بملفات الصواريخ والطائرات المسيّرة دخلت مناطق قريبة من بورتسودان وبدأت بتنسيق عملياتها من هناك. وأكد مصدر عسكري سوداني – فضّل عدم كشف هويته – أن “جزءًا من العمليات اللوجستية والبحرية جرى نقله فعليًّا إلى مواقع ساحلية شرق السودان”، بعد تضييق دولي على مسارات التهريب عبر غرب اليمن.

هذا التحول لم يبقَ في إطار الروايات؛ فمعلومات استقصائية أظهرت نقل طائرات مسيّرة من طراز “مهاجر 6″ و”أبابيل” عبر طرق برية من الحدود الإثيوبية إلى مواقع قرب بورتسودان في أكتوبر الماضي. وتشير بيانات ملاحية إلى أن بعض المسيرات انطلقت من مناطق غير معلنة شرق السودان، وهي نقاط تتوافق مع مسافات الهجوم التي استُخدمت في استهداف السفن “سكارليت راي” و”إم إس سي أبيي” في البحر الأحمر.

تزامن هذه التحركات مع الاستهداف المكثف للبنية التشغيلية للحوثيين في صنعاء والحديدة يمنح التطور بعدًا إضافيًا. فالضربات الدقيقة التي نُسبت إلى أطراف دولية قلّصت قدرة الميليشيا على إطلاق الصواريخ والمسيّرات من الساحل اليمني، ما جعل السودان – في تقدير البعض – خيارًا تكيّفيًا لا توسعيًا.

لكن القراءة الجيوسياسية تكشف سياقًا أعمق. فالسودان، رغم وضعه الداخلي المعقد، يقع على أحد أهم الممرات البحرية في العالم، وهو موقع يجعل أي فراغ أمني قابلًا للاستثمار من أطراف محلية وإقليمية. وتشير مصادر سودانية إلى وجود قنوات تنسيق غير معلنة بين الحوثيين وجهات مقربة من مجلس السيادة، دون وضوح بشأن طبيعة هذا التنسيق أو مدى رسميته.

وتتسع دوائر التأثير مع ورود مؤشرات على اتصالات عملياتية بين الحوثيين وحركة “الشباب” في الصومال، الأمر الذي قد يُنشئ ممرًا يمتد من اليمن إلى القرن الإفريقي عبر السودان، بما يسمح لخطوط الإمداد بالتكيف مع القيود المفروضة على البحر الأحمر.

وإذا ما ثبت أن بورتسودان تتحول تدريجيًّا إلى مركز تشغيلي، فإن ذلك سيغيّر قواعد المواجهة في المنطقة. فقد تجد القوى الدولية نفسها مضطرة لإعادة توزيع أدوات الرقابة الجوية والبحرية، وربما فرض قيود جديدة على الطرق البرية الممتدة بين السودان وإثيوبيا. كما قد يجد السودان نفسه – دون رغبة منه – في قلب مواجهة إقليمية صامتة تتجاوز قدراته الحالية.

ورغم غياب الدلائل على تأسيس قاعدة دائمة للحوثيين، إلا أن المؤشرات المتراكمة توحي بأن خطوة “البقاء” قد تتطور إلى تمركز فعلي إذا استمرت الظروف الراهنة. ويبقى السؤال مفتوحًا حول قدرة الدولة السودانية على ضبط حدودها، وحول استعداد المجتمع الدولي للتعامل مع شبكة تهديدات غير تقليدية تنمو في أحدى المناطق الاستراتيجية في العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى