عيدروس الزُبيدي … القائد الذي أبرق في سماء الجنوب

عبدالناصر الراوحي
في لحظات كانت فيها سماء الجنوب مثقلة بالغيوم ، وطرقات المستقبل غارقة في الضباب ، بزغ اسم عيدروس الزُبيدي كوميض يشق العتمة ، ويزرع في النفوس يقينا بأن للجنوب رجالا إذا حضروا استقامت الراية ، وإذا نطقوا علت الحقيقة فوق كل ضجيج لم يكن حضور الزُبيدي في المشهد الجنوبي مجرد ظهور سياسي ، بل كان تجسيدا لإرادة شعب ظلّ لعقود يبحث عن صوتٍ يشبهه، وقيادة تستوعب ألمه وتقرأ تاريخه وتسمع نبضه. فالتاريخ لا يخلّد الذين مرّوا ، بل الذين وقفوا ؛ والجنوب وجد في عيدروس أحد الذين وقفوا بثبات ، رغم الرياح التي حاولت اقتلاع كل ما هو جنوبيّ من جذوره.
يمثل الزُبيدي حالة قيادية فريدة ؛ إذ يجمع بين صلابة الموقف وهدوء الحكمة ، وبين إيمان عميق بالقضية الجنوبية وقدرة على إدارة التحولات دون أن يهتز ولاؤه للأرض والإنسان. إنه من القادة الذين لا يتكلمون كثيرا ، لكن خطواتهم تنطق ، ومواقفهم تشهد ، ووفاؤهم يكتب رسائل لا يمحوها الزمن.
وفي زمنٍ تُباع فيه المواقف وتُشترى، بقي عيدروس ثابتا كجبل جنوبي، يعرف أين يقف ومع من يقف ، ويضع الجنوب في مقدمة كل حساب ، وكأنّه يقول للعالم هذه الأرض لها رجال ، وهذه الهوية لها من يحرسها.
ولأن القادة الحقيقيين لا يصنعهم المنصب بل تصنعهم المواقف ، فقد أصبح الزُبيدي رمزا يعرفه شعبه في لحظات الانكسار كما يعرفه في لحظات الانتصار هو القائد الذي حمل راية الجنوب لا ليرفع بها اسما ، بل ليرفع بها وطنا بأكمله إنه وميض الجنوب الذي أضاء الدرب حين خفتت الأضواء ، وبقي رمزا لعزيمة شعب لا يساوم على كرامته ، ولا ينسى تاريخه ، ولا يتراجع عن مستقبله.